سورة إبراهيم
  عظيم، وأنها لن تنتهي بالموت؛ لأنا قد عرفنا أن الله سبحانه وتعالى عدل حكيم، ومن عدله وحكمته أنه لم يخلقها إلا ليرتب عليها داراً أخرى؛ فإذا تفكر وتساءل: يا ترى ما الحكمة في أن يخلق الله سبحانه وتعالى هذا المخلوق ضعيفاً، ويسلبه كل الإمكانيات والقوى، وذلك الآخر يخلقه ويمكنه بالقوة والبطش والمال، ويجعل له سلطة، ثم يخلي بينهما؟ فنرى هذا القوي يبطش بالضعيف ويقهره ويذله ويقتله، فلا يستطيع الضعيف أن يدفع عن نفسه شيئاً، ثم نراه في الأخير يموت من دون أن يكون قد حصل على أي إنصاف ممن ظلمه، إذاً ماذا ستحكم على الله سبحانه وتعالى لو لم يكن دار غير هذه الدار؟ أليس يكون ذلك ظلماً منه جل وعلا عندما يمكن هذا من هذا، ويسلب عن الآخر كل ما يستطيع أن يدافع عن نفسه به، ولا ينتصف له ممن ظلمه؟
  ولو كان الأمر كذلك لكان قد خرج عن اسم العدالة والحكمة اللذين وصف بهما نفسه، وتمدح بهما عند خلقه، وقد علمنا أن الله سبحانه وتعالى عدل حكيم، وأن خلقه للسماوات والأرض لا بد أن يكون لغرض وحكمة، وتخليته هذه لا بد أن يكون وراءها شيء. ورؤية هذا في بلاء ومرض طيلة عمره، وذلك في صحة وعافية يجعل العقل يقطع أنه لا بد أن يكون لهذا أعواض مقابل ذلك.
  ولما لم نره ينال تلك الأعواض في الدنيا فإنا نجزم بأن هناك داراً أخرى ينال فيها جزاءه، وإلا كان ظلماً وعبثاً من الله سبحانه وتعالى، وقد علمنا أيضاً أن الله سبحانه وتعالى غني، والغني ليس من شأنه أن يفعل ذلك وهو مستغن عنه.
  {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ١٩ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ٢٠} يتهدد الله سبحانه وتعالى المشركين بأنه لو أراد أن يذهبهم، ويأتي بخلق آخرين مكانهم - لفعل، وهو قادر على ذلك، وليس ممتنعاً عليه، ولكنه لرحمته بهم أمهلهم لعلهم يتنبهون من غفلتهم ويرجعون عن كفرهم وضلالهم فيقلِّبُهم في البلاوي والنعم، والرخاء والشدة لعلهم يتوبون ويرجعون إليه.