سورة الكهف
  {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ١٨} كان النبي ÷ من أقوى الناس قلباً وأشدهم بأساً، فأخبره الله سبحانه وتعالى أنه لو اطلع عليهم لامتلأ منهم رعباً وفزعاً؛ لما جعل الله عليهم من الصور التي لا تتحمل طبيعة البشر النظر الطويل إليها لما ألبسهم الله من أسباب الفزع وبواعث الرعب الغاية من ذلك والنهاية.
  {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} أخبر الله سبحانه وتعالى أنه بعثهم من نومهم الطويل ليعلموا أن رحمة الله تعالى قد أدركتهم، وأنهم قد فازوا برضوان الله سبحانه وتعالى وكرامته، وذلك من خلال مساءلتهم ومناقشتهم مع بعضهم البعض.
  {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} سأل بعضهم بعضاً عند بعثهم من نومهم فقال بعضهم: كم لبثتم في نومتكم هذه؟ فأجابوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، وفي ذلك دلالة على أن أجسادهم كانت على حالها وطبيعتها لم تتغير، وثيابهم لم تبل، وأن أشعارهم وأظافرهم لم تتغير ولم تطل، وأن الله قد أزال أسباب الرعب عن صورهم.
  {قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ}(١) ثم ردوا أخيراً العلم بمقدار نومهم إلى الله تعالى.
  {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} أمر كبيرهم واحداً منهم أن يذهب لشراء الطعام لهم، ولم يخص واحداً بعينه تأدباً لئلا يحسسهم بأنه متأمِّرٌ عليهم، وأنه فوقهم.
(١) سؤال: ما وجه نسبة الله القولين إلى جميعهم مع أن كلاً منهما لفريق؟
الجواب: قد قال كلٌّ قولاً إلا أن كلهم ردّ علم ما اختلفوا فيه إلى الله؛ لأن كل قائل منهم إنما استند في قوله إلى الظن والتخمين.