سورة الكهف
  أسمائهم، وظهر لهم كم لبثوا نياماً بداخل الكهف، وكان السر والحكمة في ذلك ليعلم الناس أن وعد الله سبحانه وتعالى حق، وأنه قادر على أن يبعث الناس بعد موتهم، وأنه سيحشرهم يوم القيامة؛ لأنهم إذا رأوا وعرفوا أمر أصحاب الكهف ونومتهم مئات السنين عرفوا أن الله على كل شيء قدير، وأنه قادر على أن يحيي الموتى، ولئلا يكون لهم سبيل بعد ذلك إلى إنكار البعث بعد الموت.
  إذاً فهناك حكمتان من بعثهم: الأولى: ليعرفوا كرامة الله سبحانه وتعالى لهم. والثانية: ليطلع الناس على قدرته على البعث والإحياء بعد الموت.
  {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} كان الناس قد لحقوا بهم لينظروا شأنهم وقصتهم، وبعد أن عرفوا ما جرى عليهم دخل هؤلاء الفتية الكهف، فأماتهم الله تعالى مكانهم، ثم إن الناس اختلفوا فيما بينهم فبعض منهم أشار بأن يضعوا بناءً عليهم.
  {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ٢١} وكانت الغلبة والدولة للمؤمنين(١)؛ لأنهم كانوا الكثرة ذلك الوقتَ فاتفقوا على أن يبنوا عندهم مسجداً؛ ليكون ذلك المكان مقصداً للناس يتعبدون فيه إظهاراً لشرف هؤلاء الفتية وكرامتهم عند الله سبحانه وتعالى، وللتبرك بالصلاة فيه.
  {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ} أخبر الله سبحانه وتعالى نبيه ÷ أن اليهود مختلفون فيما بينهم حول
(١) سؤال: يقال: المشهور عند المفسرين أو أغلبهم احتمال أن يكونوا من المؤمنين وأن يكونوا من غيرهم، فمن فضلكم ما هو الوجه في ترجيح كونهم من المؤمنين؟ وهل يصح أن يستدل بهذه الآية: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ٢١} على جواز البناية والتسقيف على القبور؟
الجواب: إنما حملناه على المؤمنين لوجود القرينة وهي: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ٢١} فذكرهم المسجد يدل على أنهم من أهل المساجد، وليس هناك ما يدل على أنهم من غير المؤمنين، وفي الآية دليل على جواز التسقيف على قبور الصالحين والبناية عليها.