محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة مريم

صفحة 562 - الجزء 2

  {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ٧٣} كانت قريش إذا تلا عليهم النبي ÷ القرآن سألوه: مَن الأفضل نحن أم أنتم يا محمد؟ وأيهما أحسن نادينا أم ناديكم؟ ومن أحسن مقاماً في مكة نحن أم أنتم يا محمد⁣(⁣١)؟

  لأن النبي ÷ والمسلمين كانوا في مكة في ضعف وفقر وشدة، بخلاف المشركين فكانوا في عزة وكثرة وغنى ووجاهة، ونواديهم كانت مزينة بالثياب الفاخرة والمناظر البهية الجذابة، مما جعلهم يغترون بما هم فيه من النعيم في الدنيا، وجعلهم ذلك يظنون أنهم أحسن من المسلمين وأفضل منهم، وأنهم لو لم يكونوا كذلك لما أعطاهم الله في الدنيا ما أعطاهم من متاع الدنيا.

  {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ٧٤} ثم أجاب الله تعالى عليهم على لسان نبيه ÷ بأن الله قد أهلك قبلكم يا قريش كثيراً من الأمم


= المتقين؛ بدليل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ١٠١ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ١٠٢ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ١٠٣}⁣[الأنبياء]، وعطف قوله تعالى: {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ٧٢} على قوله: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}، لبيان هوان الظالمين على الله وخزيهم في عذاب جهنم بعد بيان فوز المتقين وكرامتهم على الله وعظيم منزلتهم لديه، وقد يكون العطف لبيان أن الجملة المعطوفة من جملة ثواب المتقين من حيث أنهم يستَرُّون ويتنعمون بسجن أعدائهم في نار جهنم الذين كانوا يعذبونهم في الحياة الدنيا بأنواع العذاب ويتكبرون عليهم ويظلمونهم ويفعلون فيهم الأفاعيل المنكرة.

(١) سؤال: ما الغرض في معارضتهم لتلاوة القرآن بتلك الأسئلة؟

الجواب: أرادوا بالمعارضة رد حجة النبي ÷ وآياته بما اعتقدوا أنه حجة لهم وآية بينة على كرامتهم على الله فإنهم لما رأوا نعم الله عليهم كثيرة اعتقدوا أن ذلك لكرامتهم على الله، ورأوا ما عليه النبي ÷ والمؤمنون من الضعف والفقر فاعتقدوا أن ذلك لهوانهم على الله.