سورة الأنبياء
  {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ١٠١}(١) ثم انتقل إلى ذكر الذين قد سبق لهم من الله الوعد الحسن والعاقبة الحسنة مثل عيسى وعزيراً والملائكة فأخبر أنه قد أخرجهم من بين تلك المعبودات التي سيدخلها النار مع عابديها؛ لأنهم لم يَدَّعوا الإلهية، ولم يَدْعُوا الناس إلى عبادتهم.
  {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ١٠٢} لا يدخل الله تعالى عيسى وعزير والملائكة نار جهنم ولا يسمعون أصواتها المخيفة وهم في نعيم الجنة وثوابها خالدون.
  {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ١٠٣} وكذلك لا تلحقهم أهوال القيامة ومخاوفها، فهم في أمن وأمان من وقت أن يبعثهم الله سبحانه وتعالى، تبشرهم بذلك الملائكة.
  {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا
(١) سؤال: يقال: لِمَ لم يأت الله سبحانه وتعالى بصورة الاستثناء في هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ ...} إلخ؟
الجواب: لم يدخل الذين سبق الوعد لهم من الله بالحسنى في عموم قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} حتى يلزم استثناؤهم، والخطاب لقريش، وقد كانوا يعبدون الجن والشياطين وإناثاً يدعون أنهم بنات الله: {يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ٤١}[سبأ]، {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا ١١٧}[النساء]، لذلك لم تدخل الملائكة ولا عيسى وعزير في معبودات قريش حتى يلزم استثناؤهم، وستتبرأ الملائكة من المشركين يوم القيامة فسألهم الله كما حكى الله ذلك بقوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ٤٠ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ٤١}[سبأ]، وذكر الله سبحانه وعده للمؤمنين بالحسنى كعادته في ذكر وعده الحسن لهم بعد أن يذكر وعيد المجرمين بالعذاب الشديد، ولم يذكروا هنا للتخصيص والله أعلم.