سورة الحج
  {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ١٨} يحث الله سبحانه وتعالى نبيه ÷ وسائر المكلفين أن ينظروا في آيات السموات والأرض وما فيهما، وأخبر أن من ينظر فيها فسيرى آثار استجابة تلك الأشياء جميعها لله تعالى، وانقيادها وخضوعها لربها، وأنها سائرة بإرادته لا تتخلف عن ذلك أو تتغير عما هي عليه، فالشمس والقمر، كلُّ واحد منهما في مسار معين على مدى الدهور والأزمان ويسيران في منازل معلومة ومحدودة، لا تتغير أو تتبدل، والليل والنهار يتعاقبان كذلك منذ أن خلق الله السماوات والأرض فكلها منقادة لله تعالى وتحت إرادته وتصرفه، وكذلك الشجر والدواب فلا ترى شجرة تتمرد أو تماطل في إخراج ثمرها أو ورقها والدواب كذلك، وكذلك النجوم في منازلها وبروجها لا تتخلف عن إرادة الله تعالى، وكلها مسخرة في طاعته والانقياد له، وكذلك البحار والرياح والسحاب.
  ومعنى السجود هنا هو: الانقياد والطاعة لله تعالى ولما أراد، وفي قوله: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}(١) [الحج: ١٨]، دلالة على أن الإنسان قد خرج من بين تلك الأشياء كلها عما يريده الله منه فلم يَنْقَدْ لله تعالى إلا البعض(٢) منهم، وأما الآخرون فقد
(١) سؤال: يقال: كيف يجمع بين ظاهر الجملتين: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} فقد وصف الكثير بالانقياد والتمرد؟
الجواب: لا تعارض بين الكثرتين فكثرة المكذبين هي بالنسبة لقلة المطيعين، وكثرة المطيعين مطلقة، وأقل الكثرة عشرة.
(٢) سؤال: قد يقال بأن في قوله قبلها: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} إثباتاً لانقياد الكثير من بني الإنسان فكيف؟
الجواب: المراد في التفسير خروج النوع الإنساني في الجملة.