سورة الفرقان
  {لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ١٤}(١) وعند صراخهم سيقول الله سبحانه وتعالى لهم: إنكم ستمكثون هكذا تنادون بالويل والثبور دائماً وأبداً.
  {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي(٢) وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا ١٥} بعد أن وصف الله تعالى النار التي أعدها للمكذبين بالساعة بأنهم يسمعون حسيسها من مكان بعيد، وبعد أن وصف حال أهلها عندما يلقون فيها، أمر الله سبحانه وتعالى نبيه ÷ أن يسأل المشركين أيهما أفضل: حالة أهل النار أم حالة أهل الجنة التي وعدها المتقون؟
  فسيكون جوابهم حتماً بأن الجنة أفضل؛ لأن العاقل لا يختار الشر حتماً؛ فلماذا اختار المشركون طريق الشر وساروا فيها، وتركوا الطريق التي دعاهم إليها النبي ÷، والتي فيها نجاتهم وفوزهم وفلاحهم، فذلك مما يدل على خفة عقولهم وسخافتها.
  ثم وصف الله سبحانه وتعالى الجنة التي وعدها المتقون فقال: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ} فكل ما يتمناه أهلها من النعيم يعطيهم الله تعالى فيها، وهم يتقلبون في النعيم دائماً وأبداً من دون أي كلل أو ملل جزاءً على إيمانهم وأعمالهم الصالحة.
  {كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا ١٦} فهذا وعد وعدهم الله سبحانه وتعالى به، ولا بد أن يوفيهم به، وكذلك العذاب في النار فهو وعد من الله تعالى لا بد من وقوعه.
  وقوله: «مَسْئُولًا» يعني أن الله سبحانه وتعالى قد نزله على نفسه منزلة الواجب المحتوم الذي لا بد أن يفي به، وكمنزلة ما إذا وعد الرجل بوعد وكان هناك من يطالبه بالوفاء به، وهذا تصوير لنفهم المعنى المقصود(٣).
(١) سؤال: هل قوله: {ثُبُورًا} هنا مفعولاً به؟ فما وجه جعله مدعواً؟
الجواب: «ثبوراً» مفعول به، أي: يقولون: وا ثبوراه أو يا ثبواره احضر فهذا أوان حضورك، والثبور: هو الهلاك، يقال: ثبره الله أي: أهلكه هلاكاً دائماً لا ينتعش بعده.
(٢) سؤال: أين صلة الموصول «التي» وعائده؟
الجواب: صلتها جملة: {وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} أي: وعدها المتقون.
(٣) سؤال: هل مرادكم أنه تشبيه تمثيلي أم ماذا؟ وما الموجب لهذا التأويل والحامل عليه؟
الجواب على السؤالين: أن في هذا الكلام استعارة مكنية حيث شبه الوعد بالرجل العاقل تشبيهاً =