محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الروم

صفحة 352 - الجزء 3

  وللمسلمين، ولما كانوا يسببونه من القلق الشديد للمسلمين، مما جعل انتصار⁣(⁣١) الروم عليهم يسبب فرحاً شديداً في قلوب المؤمنين⁣(⁣٢)، وذلك لكون فارس مجوساً لا دين لهم، وأما الروم فكانوا من النصارى وكانوا أهل دين وكتاب، وفيهم لين على الإسلام والمسلمين: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى}⁣[المائدة: ٨٢]، وعندما أرسل النبي ÷ كتبه إلى فارس والروم؛ فأما ملك فارس فعندما وصل إليه كتاب النبي ÷ غضب غضباً شديداً ومزق كتاب النبي ÷، وأما هرقل


(١) سؤال: يقال: هل هذا النصر يعارض ما حكاه بأنه ينصر المؤمنين في قوله: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ٤٧}⁣[الروم]، أم لا فكيف؟

الجواب: لا معارضة فيما ذكرتم، فمن نصر الله للمؤمنين أن يدفع الله عنهم بتسليط بعض الظالمين على بعض، وتماماً كما قال الله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٤٠}⁣[الحج]، فسمى الله تعالى في هذه الآية دفع الله الناس بعضهم ببعض نصراً للمؤمنين الذين ينصرون الله ورسوله.

(٢) سؤال: قال بعض العلماء بأن فرح المؤمنين إنما هو لانتصارهم في بدر؛ لأنه وافق انتصار الروم على فارس، فما رأيكم في ذلك؟ وهل يؤخذ من ذلك جواز الفرح بانتصار ظالم على ظالم، أو نحو ذلك؟ أم إنه يعارض وجوب معاداتهم؟

الجواب: الوجه هو ما ذكرنا وليس هناك ما يدعو إلى الخروج عن الظاهر مع استقامته، واقتتال الظالمين مع بعضهم الآخر فضل من الله ونعمة على المؤمنين: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ٢٥١}⁣[البقرة]، فلا حرج على المؤمنين إذا رأوا أعداءهم يتقاتلون ويتناحرون ... في أن يفرحوا ويشكروا الله تعالى. وهكذا لا حرج في أن يفرحوا بانتصار الأقل ظلماً على الأكثر ظلماً؛ لما لهم في ذلك من الراحة والتخفيف. والفرح إنما هو لما يترتب على النصر من تخفيف الظلم عنهم؛ إذ ليس من شأن المؤمن أن يفرح بانتصاره لأجل ظلمه أو كفره؛ لأن المؤمن لا يحب الكفر ولا الظلم ولا يرضاه.