سورة الروم
  يحكي الله سبحانه وتعالى عن طبيعة أكثر الناس وشأنهم في الدنيا، فأخبر تعالى أن خبرتهم فيها وفي مجالاتها عالية، وأنهم من أهل العلم والمعرفة بأحوالها وحاجاتها ومتطلباتها، من الصناعة والزراعة والتجارة والسياسة(١) وغير ذلك، وأما أمور الدين والآخرة فهم بعيدون كل البعد عنها، وغافلون عن ذلك غير مبالين بها.
  {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى}(٢) يستنكر الله سبحانه وتعالى على أهل الدنيا لماذا لا يتفكرون ويجيلون عقولهم وخواطرهم في الحكمة من خلق السماوات والأرض وما فيهما، وأنهم لو نظروا في ذلك لعرفوا أنه لا بد من حياة أخرى مترتبة عليها.
  {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ٨} غير أن أكثر الناس معرضون عن ذلك، ومنكرون للبعث والحساب.
(١) سؤال: ما وجه الإطلاق على هذه المعارف اسم الظاهر من الحياة الدنيا؟
الجواب: لأنهم عرفوا ما يتعلق بمصالحهم في الحياة الدنيا فاستخرجوا خيرات الأرض ومنافعها و ... إلخ، وغفلوا عن الحكمة من خلقها وما جعل الله فيها من الآيات على البعث والحساب والجزاء ولم ينظروا كما نظر المؤمنون (أولو الألباب) الذين قال الله تعالى عنهم: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ١٩٠ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ١٩١}[آل عمران]، حيث أوصلهم النظر والتفكر في خلق السموات والأرض إلى الإيمان والتصديق باليوم الآخر وما فيه من الجزاء.
(٢) سؤال: هل قوله: {مَا خَلَقَ اللَّهُ ...} إلخ ابتداء كلام جديد أم لا؟ وما معنى الأجل المسمى في الآية؟ وما علاقته في الحكمة من خلقهما؟
الجواب: {مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ ...} في محل نصب لأنها معلقة والعامل فيها فعل التفكر فليست ابتداء كلام جديد. والأجل المسمى هو يوم القيامة، وهو الحكمة المقصودة من خلق السموات والأرض، أي: الحكمة العظمى.