محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الروم

صفحة 355 - الجزء 3

  {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الاستفهام هنا للتقرير وهو حمل المخاطب على الاعتراف بما استقر عنده ثبوته أو نفيه⁣(⁣١)، وهنا أراد الله سبحانه وتعالى حمل المشركين على أن يعترفوا بأنهم قد ساروا في الأرض، ورأوا كيف كانت عاقبة تلك الأمم التي كذبت قبلهم، وكانوا يرون ذلك في طريق أسفارهم إلى بلاد الشام واليمن للتجارة ونحوها، ولكنهم لم يعتبروا بما رأوه من حال قراهم ومساكنهم، كيف أصبحت بسبب كفرهم وعنادهم، وأصروا على البقاء على كفرهم وتكذيبهم بالنبي ÷.

  {كَانُوا أَشَدَّ⁣(⁣٢) مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا}⁣(⁣٣) وأخبر أن أولئك القوم كانوا أكثر وأشد منهم قوة وجمعاً، وقد أشادوا الأرض بالبناء والعمران والزراعة أكثر مما عمرتها قريش.

  {وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ٩} وقد أخذهم الله سبحانه وتعالى بسبب كفرهم وتكذيبهم بأنبيائهم؛ يحذر الله تعالى هنا المشركين أن يفعلوا مثل أفعالهم فيحق عليهم مثل ما صار على أولئك القوم، ويخبرهم أن الأحسن لهم أن يعتبروا بهم وبما جرى عليهم.


(١) سؤال: يقال: ما الفرق بين هذا وبين ما تقدم في قوله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ...

الجواب: لا فرق، ولكن يجوز أن نقول: إن الاستفهام لتقرير ما بعد النفي، ويجوز أن نقول: إنه للاستنكار، أي: استنكار النفي والمنفي.

(٢) سؤال: يقال: ما السر في فصل هذه الجملة: {كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} عن سابقتها؟

الجواب: فصلت لأنها مستأنفة في جواب سؤال مقدر عن حال الذين من قبلهم.

(٣) سؤال: ما إعراب: {أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا}؟ وإلى أين يعود الضمير؟

الجواب: «أكثر» نعت لمصدر محذوف أي: عمراناً أكثر من عمرانهم، و «من» حرف جر، و «ما» مصدرية، وضمير الفاعل يعود إلى أهل مكة المذكورين في السياق: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا}⁣[الروم: ٨]، {أَوَلَمْ يَسِيرُوا}⁣[فاطر: ٤٤].