محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة السجدة

صفحة 411 - الجزء 3

  {وَلَكِنْ⁣(⁣١) حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ١٣} اقتضت حكمة الله أن يوكل الناس إلى مشيئتهم واختيارهم، فمن اختار الهدى وطريق الخير فجزاؤه الجنة، وأما من اختار الضلال وطريق الشر فقد أعد الله لهم عذاب جهنم خالدين فيها أبداً؛ لذلك استحق أهل الضلال أن يملأ الله بهم جهنم لكثرتهم.

  {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ١٤}⁣(⁣٢) يقال لأهل النار ذوقوا عذاب الحريق بسبب كفركم وتكذيبكم بعذاب الله في اليوم الآخر، فليس لكم في رحمة الله نصيب وذوقوا عذاب الخلد بسبب أعمالكم الخبيثة.


(١) سؤال: لم نفهم الاستدراك هذا من مدخول «لو» فهل فيه حذف؟ أم كيف؟ لو وضحتموه أجزل الله مثوبتكم.

الجواب: يظهر معنى الاستدراك عند معرفة المعنى المقصود، فالمعنى: ولكن سبق القضاء واقتضت الحكمة بخلق البشر على طبيعة غير طبيعة الحيوانات وهي كما ذكر الله تعالى في قوله: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ٨}⁣[الشمس]، وقوله: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ١٠}⁣[البلد]، أي: أن الله تعالى ركب طبيعة هذا الجنس البشري من طبيعتين مختلفتين يسيطر عليهما الإنسان ويتحكم فيهما ويختار أيهما إما طبيعة الخير وإما طبيعة الشر، يميل العقل والحكمة إلى طبيعة الخير ويميل الهوى والشهوة إلى طبيعة الشر، وكلاهما تحت سيطرة الإنسان وعنده الاستطاعة والقدرة على اختيار أيهما شاء، وعلى السير في أيهما شاء، وفطر الله عقله على معرفة الطريقين وحسن الخير وقبح الشر، فهكذا اقتضت حكمة الله، وذلك من أجل أن يجزي الله الذين أحسنوا الاختيار وسلكوا طريق الخير في جنات النعيم، ويجزي الذين أساءوا الاختيار وسلكوا طريق الشر في عذاب النار، وبهذا يتبين معنى الاستدراك، وليس هناك حذف اصطناعي - أي: نحوي - لا يستقيم الكلام إلا به، بل إن الاستدراك مرتب في المعنى على ما ذكرنا، والله أعلم.

(٢) سؤال: ما مفهوم النسيان الأول؟ وهل الثاني مثله؟ وما نوع البلاغة فيه؟

الجواب: النسيان الأول هو خلاف التذكر، وهذا هو معناه الحقيقي، والنسيان الثاني بمعنى الترك، وسمى الترك نسياناً لوقوعه في صحبته أي: للمشاكلة، أي ليشاكل الثاني الأول في اللفظ، وهذا مما يستظرفه أهل البلاغة.