سورة السجدة
  موسى من قبله، وقد لاقى(١) من قومه مثل ما لاقاه محمد ÷ من قريش من التكذيب والاستهزاء والأذى، وقد مكث على تلك الشدائد زماناً طويلاً حتى أنزل الله تعالى عليه الفرج والنصر، فقد مكث يدعو فرعون وقومه نحواً من أربعين سنة كما قيل، ثم إن الله تعالى أهلك فرعون ونصر موسى، واستنقذ بني إسرائيل من قبضته وسيطرته.
  ثم أخبر الله سبحانه وتعالى أنه قد أنزل التوراة على موسى ليهتدي بنو إسرائيل بما فيها من الأحكام والتشريعات.
  {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا(٢) لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ٢٤}
(١) سؤال: إذا قيل: لعلكم تقصدون: فلا تكن يا محمد في شك من لقاء الأذى، فمفعول المصدر محذوف وهو الأذى؛ فإن قيل: الحذف خلاف الظاهر فما جوابه؟ وما هي المحامل الأخرى في «لقائه»؟ وما مرجحات ما اخترتموه أيدكم الله بتأييده؟
الجواب: المراد من لقاء الأذى الذي لقيه موسى أي: مثله، والهاء في «لقائه» هي ضمير يعود إلى الأذى المدلول عليه بقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}، وقد كان رسول الله ÷ عالماً بما لقي موسى # في تبليغ رسالة ربه من فرعون وملئه أولاً، ثم من قومه ثانياً. وقد فسروا {مِنْ لِقَائِهِ} بلقاء موسى # إما في السماء ليلة المعراج أو في يوم القيامة. والذي رجح ما قلنا: أنه يظهر من سياق السورة أنها نزلت على رسول الله ÷ بعد أن ضاق ذرعاً من إصرار قومه على الإعراض عن دعوته، والتكذيب بما جاءهم به، وطول الأذى والتضييق عليه وعلى أصحابه المستضعفين؛ فأنزل الله تعالى عليه ما أعده للفاسقين في نار جهنم، وما أعده للمؤمنين في جنات المأوى؛ ليخفف عنهم ما يجدون من الضيق والبلوى، ثم ذكر الله تعالى نبيه محمد ÷ أنه آتى موسى الكتاب ليسليه بذكره، فإن البلوى إذا عمت هانت، أي: فإن كنت قد أوذيت يا محمد في تبليغ رسالة ربك فقد أوذي موسى من قبل في تبليغ رسالة ربه، فستلقى مثل ما لقي موسى؛ فجدد عزيمتك واصبر، ولا تضق بتكذيب قومك. والتفسير الذي ذكرناه مذكور في البرهان، وفي تفسير الرازي، وهو في المصابيح.
(٢) سؤال: ما معنى الباء في قوله: «بأمرنا»؟ وما المراد بالأمر هذا؟
الجواب: معناها التلبس والمصاحبة أي: متلبسين بأمرنا، فالجار والمجرور في محل نصب على الحال من فاعل «يهدون». والمراد بالأمر: تكليفهم بذلك أو معرفتهم بشريعة الله، والله أعلم.