محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة السجدة

صفحة 418 - الجزء 3

  {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ٢٧} وكذلك يستنكر الله تعالى عليهم لماذا لا يتفكرون في هذه الآية التي يرونها أمام أعينهم؟ وينظرون كيف نسوق السحاب إلى تلك الأرض اليابسة الجرداء التي لا أثر للحياة عليها، ثم ننزل عليها المطر فإذا بها تنبض بالحياة من جديد، وتخرج خيراتها من الزروع والثمار وأصناف النبات الذي يأكلون منه ويعيشون عليه هم وأنعامهم، أفلا يبصرون ذلك، ويعلمون أن الله قادر على إحيائهم بعد مماتهم؟

  {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٢٨} كان النبي ÷ عندما يشعر بالضيق الشديد من أذية قومه واستهزائهم يقول لهم: إن الله سبحانه وتعالى سوف يحكم بيني وبينكم، وسيأتي بالفتح والفرج فيعذبكم وينتصف لي منكم عما قريب؛ فكان المشركون يسألونه عن ذلك الفتح والفرج متى سيكون؟ ومتى سيحين موعد هذا الفتح الذي تتوعدنا به⁣(⁣١)؟

  {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ} فأمره الله سبحانه وتعالى أن يجيب عليهم بهذا الجواب، وهو أنه متى حل موعد ذلك اليوم فقد انقطع الأمل ولن ينفعكم الندم، ولم يبق إلا ما قدمتموه من الأعمال.


(١) سؤال: يقال: هل مراد النبي ÷ بالفتح الذي يتوعدهم به يوم القيامة كما قد يظهر من الآية التي بعد هذه؟ أم في الدنيا؟ فكيف نتأول هذه الآية: {لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ}؟ وهل يصح حمله على فتح مكة فيلزم أيضاً نفس الإشكال؟

الجواب: المراد بالفتح هو إهلاكهم في الدنيا، أما قوله: {لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ} أي: لا ينفعهم الإيمان إذا آمنوا حين نزول العذاب بهم، ولا يقبل منهم حينئذ الإيمان؛ لأن العذاب قد نزل بهم، والموت قد حال بينهم وبين الإيمان بدليل: {وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ٢٩} أي: فلا ينفع الإيمان من نزلَ به العذابُ وَقَطْعُ الأجلِ وإزهاقُ الروح. أما من لم ينزل به من الكافرين الهلاك واخترام الأجل فليس بداخل فيما ذكر.