سورة فاطر
  وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ(١) فَذُوقُوا(٢) فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ٣٧} يخبرهم بأنه قد أمدهم في الدنيا بالأعمار الطويلة وأعطاهم الفرصة التي يتمكنون فيها من الأعمال الصالحة، وقد أرسل إليهم الرسل، وأنزل لهم الآيات والحجج التي تنير لهم طريق الحق والهدى وتدلهم عليه، وأمدهم بالألطاف، وأنعم عليهم بالنعم العظيمة، ولكنهم أعرضوا عن كل ذلك، واستكبروا عن الإذعان والقبول للحق، وبعد كل ذلك الإعذار والإنذار لم يبق لهم أي عذر، وقد استأهلوا ما هم فيه من العذاب ولا مخرج لهم منه.
  {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ٣٨} فهو وحده المختص بعلم الغيب وما خفي في السماوات والأرض، وكذلك عالم بما اشتملت عليه الضمائر وعقدت عليه النفوس من النيات، فليحذر كل امرئ ربه في سره وعلانيته، وليراقب نفسه؛ فالحكم الله، والموعد القيامة، وإلى الله ترجع الأمور.
  {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} ثم أخبر الله سبحانه وتعالى أن
= لما بعد النفي. و «ما» نكرة موصوفة بمعنى «وقتاً» فهي منصوبة على الظرفية، أو بمعنى المصدر أي: تعميراً يتذكر فيه من تذكر، وجملة «يتذكر فيه من تذكر» في محل نصب صفة لـ «ما»، والوجه في إبهام «ما» هو من أجل أن يصدق على كل عمر يمكن فيه التذكر.
(١) سؤال: ما صحة الأثر أن المقصود بالنذير الشيب؟
الجواب: الشيب وإن كان منبهاً للمرء على اقتراب أجله ونذيراً له من غفلته إلا أنه لا يصح تفسير النذير هنا بالشيب لما جاء في آيات كثيرة من أن الله تعالى يحتج على الكافرين يوم القيامة بأنه قد أرسل إليهم الرسل لينذروهم عذاب الله يوم القيامة كقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ٨ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ...}[الملك]،
(٢) سؤال: ما السر في الإتيان بقوله: «فذوقوا» على صيغة الأمر؟
الجواب: السر بالمجيء بصيغة الأمر هنا هو الإهانة، فإن مخاطبتهم بالأمر «فذوقوا» مما يزيد في إهانتهم وزيادة حسرتهم وحزنهم.