سورة فاطر
  حكمته اقتضت أن يجعل الناس يخلف بعضهم بعضاً، وأن يعمروا الدنيا جيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة، وحكمته تلك هي ما يترتب على ذلك من غرض التكليف، وما يحمِّلُهم من الشرائع والأحكام والأديان.
  {فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا ٣٩}(١) فمن كفر بالله سبحانه وتعالى وبأنبيائه وما أنزله من شرائعه وأحكامه فإن وبال كفره على نفسه، ولن يضر بكفره ذلك إلا نفسه، وأما الله تعالى فهو غير محتاج إلى طاعتهم ولن يضره كفرهم، وإنما سيزيدهم عنده مقتاً وبعداً، وسيضاعف لهم العذاب كلما ازدادوا كفراً. ومعنى «مقتاً»: بغضاً، والمقت أشد البغض.
  وكما ذكرنا لم يخلق الله سبحانه وتعالى عباده إلا لغرض وحكمة عظيمة وهي التكليف، وما يترتب عليه من الثواب والجزاء، غير أن أكثر الناس كانوا كلما أرسل الله سبحانه وتعالى إليهم نبياً كفروا به، وتمردوا عليه، فيعذبهم الله تعالى بسبب ذلك، ويستخلف قوماً غيرهم ثم يرسل إليهم رسله كذلك، وهكذا كلما كذب قوم دمرهم وأتى بقوم غيرهم.
  {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ}(٢) ثم أمر الله سبحانه وتعالى نبيه ÷ أن يسأل المشركين بأن يخبروه
(١) سؤال: ما إعراب: «خساراً»؟ وما نوع اسميته؟
الجواب: «خساراً» مفعول به ثان، وهو مصدر بمعنى الهلاك.
(٢) سؤال: هل قوله: «أروني» كالتأكيد لقوله: {أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ}؟ إن كان فما فائدته؟ وما إعراب: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ}؟
الجواب: «أروني ..» بدل من «أرايتم شركاءكم» فكلاهما بمعنى «أخبروني»، وفائدته التقرير والتوكيد. «ماذا خلقوا من الأرض» ماذا: اسم استفهام مفعول به لخلقوا، «من الأرض» متعلق بمحذوف حال مبينة لإبهام «ماذا».