سورة فاطر
  سيستطيعون أن يفروا من تحت قبضته.
  {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا(١) كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}(٢) ثم أخبر الله سبحانه وتعالى عن حلمه بهم ورحمته لهم فلو أنه يؤاخذهم بذنوبهم لما ترك على وجه الأرض مخلوقاً(٣)، ولأهلكهم الله تعالى جميعاً، ولكنه قد حلم عنهم وتأنى بهم لعلهم يرجعون إليه، ويقلعون عما هم فيه، فقد اقتضت حكمته أن يؤخر تعذيبهم إلى يوم القيامة.
  {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ٤٥} وإذا حل ذلك اليوم الذي قد جعله موعدهم فسيجازي كل امرئ على حسب استحقاقه وعمله، فهو عالم بعباده ومحص لجميع أعمالهم ولا يضيع عنده شيء.
  * * * * *
(١) سؤال: ما الراجح في «ما» هذه؟ هل الموصولية أو المصدرية؟
الجواب: الراجح المصدرية.
(٢) سؤال: يقال: هل هذه في المشركين خاصة أم في الناس عامة حتى من أسلم منهم؟
الجواب: الآية عامة كما هو ظاهر العموم، فتتناول جميع العصاة من الكافرين والمسلمين.
(٣) سؤال: يقال: فكيف بالأنبياء؟ وأولياء الله الصالحين فلا زال يشكل على الكثير قوله: {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} فلو وضحتموه أعلى الله مقامكم؟ وأيضاً كيف يسوغ هلاك الدواب من الحيوانات وغيرها بذنوب الناس؟
الجواب: أنبياء الله وعباده الصالحون مخصوصون من ذلك بدليل ما جرت عليه سنة الله من أنه تعالى إذا أهلك المجرمين بمجيء العذاب نَجَّى من الهلاك عباده المؤمنين، ومن تاب من العصاة نجاه الله تعالى من الهلاك بدليل: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ ..}[يونس: ٩٨]، وخَلْقُ الله تعالى للدواب إنما هو لمصلحة المكلفين بدليل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة: ٢٩]، فإذا أهلك الله المكلفين لم يكن لوجودها حكمة ومصلحة فأهلكها الله تعالى لذلك، ألا ترى أن الله تعالى لما أهلك قوم نوح أهلك معهم دواب الأرض إلا ما أمر نوح بحمله معه في السفينة.