سورة غافر
  تلك الأمم المكذبة من قبلهم، وعلموا بقصصهم وأخبارهم، وكيف كانت عاقبة تكذيبهم، وهي أن دمرهم الله سبحانه وتعالى واستأصلهم، فلماذا لا يعتبرون بما جرى على من كان قبلهم؟ والذين كانوا أشد قوة من قريش، وأكثر مالاً منهم، فقد نحتوا البيوت في الجبال، وعمروا القصور المشيدة، وحفروا الأنهار، وبنوا الجسور، واستخرجوا الذهب والفضة، وتفننوا في البناء والزخرفة والنحت والتماثيل وتطوروا في الصناعات و ... إلخ، وقد عمروا الدنيا بالمباني والقصور الفاخرة، وعلى الرغم من كل ذلك ومن كثرتهم وقوتهم التي كانوا عليها فقد أهلكهم الله سبحانه وتعالى ودمرهم واستأصلهم.
  أراد الله تعالى أن لا يتعاظم مشركو قريش أنفسهم، أو يأخذهم الكبر والفخر، فقد أهلك من هو أشد منهم، ولم يستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم أو يحموها من الله سبحانه وتعالى، ويفروا ويهربوا من قبضته.
  {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ(١) رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ٢٢} ثم ذكر الله سبحانه وتعالى السبب في إهلاك تلك الأمم المكذبة، وهو أنه كان يرسل إليهم الرسل وينزل عليهم الآيات والحجج الواضحة، ولكنهم كانوا يعرضون ويتمردون، وأنتم يا قريش فاحذروا عذاب الله تعالى أن ينزل بكم، فإن هو نزل بكم فاعلموا أن أخذه لكم سيكون عظيماً، وعذابه سيكون في غاية الفضاعة والشدة عليكم.
  {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ٢٣ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ٢٤} ثم أخبر الله سبحانه وتعالى نبيه ÷ بأنه قد أرسل موسى إلى فرعون وهامان وقارون، وأيده بالآيات الواضحة والحجج المنيرة والمعجزات القوية الظاهرة التي تدل على صدق نبوته ورسالته، وذلك أنه لا بد
(١) سؤال: أين خبر قوله «ذلك»؟ واسم كان في قوله: {كَانَتْ تَأْتِيهِمْ}؟
الجواب: خبر «ذلك» قوله: «بأنهم كانت» فهو متعلق بمحذوف الخبر، واسم كانت ضمير مقدر تقديره: هي أي رسلهم، ورسلهم: فاعل تأتيهم وكأن هذا من باب التنازع.