محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الزخرف

صفحة 103 - الجزء 4

  الإسراف والإعراض وعدم الانتفاع به؟! فلا بد أن نبلغكم وننذركم لئلا يأتي يوم القيامة فتعتذروا أمام الله سبحانه وتعالى بأنه ما جاءكم من بشير ولا نذير؟ فاعلموا أنا لن نهملكم أو نترك تبليغكم حجج الله سبحانه وتعالى لتتم عليكم الحجة، ولئلا تقولوا يوم القيامة ما جاءنا من بشير ولا نذير.

  {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ ٦} فكثيراً من الأنبياء والمرسلين أرسلهم الله سبحانه وتعالى إلى تلك الأمم التي قبلكم.

  {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ٧} وكانت كل أمة من تلك الأمم السابقة إذا أرسل الله سبحانه وتعالى إليهم نبياً فإنهم يكذبون به، ويعرضون عنه، ويستهزئون به؛ فشأنهم كشأن قومك يا محمد في التكذيب والاستهزاء والتمرد.

  {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ ٨} فكان الله سبحانه وتعالى يهلك المتمردين الواقفين في وجه دعوة أنبيائهم والصادين عنهم، وينتقم منهم ويعذبهم جزاءً على كفرهم وتكذيبهم، وفي ذلك دلالة على أنه قد يترك⁣(⁣١) الذين لا حول لهم ولا قوة في ذلك من الأتباع، وقد مضت سنة الله تعالى تلك في الأولين.

  وأخبر قومك يا محمد بأنه سوف يحل بهم مثل ما حل بتلك الأمم إن هم استمروا على تكذيبهم وتمردهم واستهزائهم، وأن سنة الله تعالى واحدة في عباده الأولين والآخرين لن تتغير أو تتبدل. ومعنى «مثل الأولين»: صفتهم ونعتهم.

  {وَلَئِنْ⁣(⁣٢) سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ


(١) سؤال: قد يقال: فما وجه عدم تعريفه فيقول: الأشد منهم بطشاً؟

الجواب: لم يعرف «أشد» لأنه أراد أن يفضل الأشد على قريش، ولا يتم ذلك إلا بذكرهم وبذكر المفضول مجروراً بمن بعد أفعل التفضيل، ولا يصح في القياس الجمع بين تعريفه بـ «أل» وبين «من» الجارة للمفضل عليه، فلا يصح: الأكثر منهم، والأشد منهم؛ لذلك لم يعرَّف أشد.

(٢) سؤال: فضلاً أين جواب الشرط في هذه الآية؟

الجواب: قد سد مسده جواب القسم: «ليقولن»، واللام الداخلة على «إن» الشرطية هي التي آذنت بالقسم، وتسمى اللام الموطئة للقسم.