سورة الجاثية
  أسرفوا في اقتراف المعاصي والسيئات والمآثم أنهم سواء هم وأولئك الذين قد أفنوا أعمارهم في طاعة الله سبحانه وتعالى والسعي في مرضاته، وحرموا أنفسهم ملذات الدنيا؟ وهل ظنوا أنهم سيموتون وينتهي بموتهم كل شيء، ليس الأمر كما حسبوا وظنوا فلا بد أن يبعثهم الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ثم يجازي المحسنين على إحسانهم والمسيئين على إساءتهم.
  {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ٢٢} خلق الله السماوات والأرض لحكمة بالغة، ولأمر عظيم، وليرتب على خلقهما وخلق ما فيهما الجزاء(١) يوم القيامة لكل نفس بما كسبت جزاء عادلاً لا
= والجملة كما قال الزمخشري: بدل من المفعول به الثاني «كالذين آمنوا»، وقال غيره: إن الجملة في محل نصب حال.
سؤال: لم يظهر لنا نفي مساواة المؤمنين لأهل السيئات في المحيا، فكيف؟
الجواب: قد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم الفرق فقال في أهل السيئات: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}[طه: ١٢٤]، وقال في أهل الإيمان: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}[النحل: ٩٧].
سؤال: وهل تصلح هذه الآية رداً على من قال بأن المسلم المقترف للكبائر تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له؟ فكيف؟
الجواب: تصلح هذه الآية للاستدلال على ما ذكرتم، وفيها دليل واضح على ذلك من حيث أنه تعالى استنكر على من يعتقد ويظن أن الله تعالى يساوي بين أهل الأعمال الصالحة والأعمال السيئة، فمن جوز أن يغفر الله تعالى للمسلم المرتكب للكبائر ولم يتب حتى مات فقد جوز أن يساوي الله تعالى بين الذين اجترحوا السيئات وبين الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذلك مما استنكره الله تعالى في هذه الآية على من اعتقد ذلك.
(١) سؤال: يقال: أليس عطف المجازاة يقتضي أن هناك حكمة أخرى من خلقهما؟ فما هي؟ وعلام عطف قوله: «ولتجزى» نحوياً؟
الجواب: العطف هو من عطف المسبب على السبب فالحكمة من خلق السموات والأرض =