سورة الجاثية
  {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} فقد حكم الله سبحانه وتعالى عليه بأنه من أهل الضلال، لا يسمع داعي الهدى لشدة تمرده وانهماكه في هوى نفسه ولا ترى عيناه طريق الرشد، ولا تنفذ إلى قلبه الهداية لما هو فيه من الهوى والكبر والتعظم، وليس هناك حائل يمنع من سماع الهدى ومن رؤية طريقه، ولا غلاف على القلب يمنع من وصول آيات الله إليه، فقد كان المشركون بما فيهم صاحب هذه الآية ذوي أسماع وأبصار وعقول يسمعون ما يقال لهم ويرون بعيونهم آيات الله المبثوثة في السماوات والأرض، ويعون بعقولهم ما يقال لهم إلا أن حبهم لمتاع الدنيا وشهواتها والتكبر فيها والترفع والظلم وأكل الحرام، و ... إلخ يصرفهم(١) عن قبول الحق والاستجابة لداعي الهدى فهذا هو الحائل الذي حال بينهم وبين الهدى.
  ونسبة الختم والطبع والغشاوة إلى الله لأنه جل وعلا هو الذي خلق في الإنسان طبيعة الرغبة والشهوة والميول إلى ما تهوى النفس، وهذه الطبائع هي السبب(٢) في حصول إعراض المشركين عن الاستجابة لداعي الله، فالله تعالى هو فاعل السبب
= وليس من اتباع الهوى أن يشبع المكلف هوى نفسه من الطرق المشروعة ولو كان ما طلبه فوق حاجته، ومن طلبها من غير الطرق التي شرعها الله وأحلها فهو ممن اتبع هوى نفسه.
(١) سؤال: من فضلكم هل يناسب هذا الحكم عليه بالضلال؟ أم أنه بمعنى الخذلان وسلبه التوفيق؟
الجواب: المناسبة واضحة لأنهم لما ضلوا بسبب حبهم للدنيا وحبهم للترفع والظلم و ... إلخ حكم الله عليهم بالضلال، ويصح أن يكون الضلال هنا بمعنى الخذلان وسلب التوفيق.
(٢) سؤال: قد يقال: وما الحكمة في فعل الله لها مع أنها سبب في إعراضهم ومعاصيهم؟
الجواب: لا يتم التكليف والاختبار إلا بهذه الطبائع، فمن أطاع الله واستجاب لأمره استحق الثواب، ومن أطاع دواعي نفسه وما تدعو إليه طبائعه استحق العقاب ولو لم توجد في المكلف تلك الطبائع لما تم التكليف ولما تبين المطيع من العاصي.