محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الفتح

صفحة 217 - الجزء 4

  {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ٧}⁣(⁣١) فليثق المؤمن بنصره فجنود السماوات والأرض من الملائكة والريح وغير ذلك كلها بيده وتحت سيطرته وقبضته، ومن كان الله سبحانه وتعالى معه فالنصر حليفه.

  وقد نزلت هذه السورة في عام الحديبية، وكان الشرك مطبقاً على جميع بلاد الجزيرة العربية، والمشركون محيطون بالنبي ÷ وأصحابه من كل جهة، فنزلت هذه السورة تبشر النبي ÷ بالظهور والنصر، وكان المنافقون والذين في قلوبهم مرض يظنون بالنبي ÷ والمؤمنين ظن السوء فقالوا: إن المشركين سوف يتكالبون عليهم من كل جهة حتى يقضوا على الإسلام وأهله، وكانوا يرجفون


(١) سؤال: هل يظهر سر في تذييل الآية هنا بقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ٧}، وفي الآية السابقة: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ٤

الجواب: السر - والله أعلم - في التذييل لهذه الآية بقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ٧} هو التأكيد للكلام الذي قبله وتقريره في ذهن السامع، فإن معنى: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ٧} هو معنى: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} وهذا هو السر والحكمة في التذييل بمثل ذلك، والزمخشري يسمي ذلك اعتراضاً والواو اعتراضية، وفي الأولى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ٤} اعتراض أيضاً وتذييل والسر هو التأكيد كما في الآية الأخرى، والفرق بين الآيتين هو أن مقام هذه غيرمقام تلك فالأولى وردت بعد قوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا ...} والسكينة هي جند من جنود الله التي لا يعلمها إلا هو، فاقتضى المقام أن يؤكد ذلك بقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ٤} حيث أنه تعالى علم ما في قلب كل مؤمن وعلم ما هو الذي يثبته فجاء تعالى بجند من جنوده وهو السكينة فجعلها في قلب كل مؤمن وذلك لا يكون إلا من الذي أحاط بكل شيء علماً.

والآية الثانية جاءت بعد قوله: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ٦} فالآية تتحدث عن عزة وقوة عظيمة، فاقتضى المقام تأكيد ذلك بقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ٧}.