محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الحجرات

صفحة 237 - الجزء 4

  ثم زاد الله سبحانه وتعالى على ذلك بأنهم إذا تكلموا في حضرة النبي ÷ أو سمح لهم بالكلام أو طلب منهم المشورة في شيء فينبغي أن لا يرفعوا أصواتهم فوق صوته، وأن يتكلموا وعليهم السكينة والوقار وكأن على رؤوسهم الطير من شدة الحياء، وأن يكونوا في غاية التأدب في حضرته، وأن يعظموه حق تعظيمه، وأن يكون كلامهم معه من نوع خاص، أي: كما علمهم الله سبحانه وتعالى وأرشدهم، لا كما يتكلم بعضهم مع بعض، وأخبرهم أن من رفع صوته على صوت النبي ÷ فقد اقترف معصية كبيرة وإثماً عظيماً يحبط⁣(⁣١) ثواب ما عمل من الأعمال الصالحة.

  وقد نزلت هذه الآية في الشيخين أبي بكر وعمر عندما تخاصما وارتفعت أصواتهما في حضرة النبي ÷، كل منهما يقترح على النبي ÷ ويدلي برأيه ومشورته، ويريد أن يكون رأيه هو الذي يمضي عند النبي ÷، حتى علت أصواتهما وارتفعت، وكثر الشجار بينهما، وفي الحديث كما في البخاري: «كاد الخيران


الجواب: «كجهر بعضكم» جار ومجرور واقع موقع المصدر أي: لا تجهروا جهراً كجهر، فالجار والمجرور صفة لمصدر محذوف فهو في محل نصب. والمصدر «أن تحبط» في محل جر حلَّ محل المفعول لأجله أي: كراهة إحباط أعمالكم.

(١) سؤال: هل يصح القياس على هذه المعصية في إثبات إحباطها للحسنات؟

الجواب: هناك معاص موجبة للنار وهي الكبائر، وما أوجب النار من المعاصي فقد أحبط الحسنات؛ لأنه لا حسنات لأهل النار، والكبائر: هي ما توعد الله فاعلها بالنار أو وصفت بالكبر أو العظم أو شرع فيها الحد أو ... إلخ، فلا داعي للقياس فيها مع وجود الدليل على كبرها، وأما ما سوى الكبائر من المعاصي فقد حصل الخلاف فيها هل هي كبائر أو صغائر، وقد جاء الدليل القرآني على خطر المعاصي عموماً كقوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٨١}⁣[البقرة]، وقوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ١٢٣}⁣[سورة النساء]، ففي ذلك دليل على أن كل المعاصي محبطة سواء أكانت كبيرة أم صغيرة إذا أقدم على فعلها المكلف وتعمد فعلها وهو يعلم أنها معصية لله.