سورة الطور
  وتعالى حالتهم وما يدور بينهم من الكلام في مجالسهم بأنهم يتساءلون فيما بينهم عما كانوا عليه في الدنيا من شدة الخوف من الله تعالى ومن عذابه، ثم يحمدون الله سبحانه وتعالى على أن نجاهم من العذاب وخلَّصهم منه بسبب ذلك الخوف، وعلى ما أوصلهم فيه من النعيم. ومعنى «عذاب السموم»: عذاب النار لأنها تدخل في مسام الجسد.
  ومن شأن المؤمن في الدنيا أن يكون في خوف دائم من عذاب الله تعالى، وأن لا يأمن على نفسه أو يعتقد أنه من أهل رضوان الله سبحانه وتعالى ومن الفائزين لديه، فعن أمير المؤمنين #: (لا يمسي المؤمن ولا يصبح إلا ونفسه عنده ضنون) أي أن المؤمن لا ينفك عن اتهام نفسه بالتفريط في طاعة الله والتقصير في تقواه، وبالغفلة عن ذكره تعالى وتعظيمه.
  {إِنَّا(١) كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ٢٨} ويحمدون الله تعالى على ما من به عليهم من الاستجابة لدعائهم في الدنيا. و «البر» معناه: المحسن الصادق في وعده.
  {فَذَكِّرْ(٢) فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ ٢٩ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ
(١) سؤال: ما الوجه في فصل هذا الكلام عن سابقه؟
الجواب: فصل لأنه في جواب سؤال مقدر عن السبب والعلة.
(٢) سؤال: يقال: هل هناك شيء من المعارضة بين هذه الآية وبين آية الذاريات: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ}[الصافات: ١٧٤]، أم لا؟
الجواب: لا معارضة؛ لأن المراد هنا: لا يصدنك قول المشركين إنك كاهن ومجنون عن تبليغ رسالة ربك فاستمر في تبليغ رسالتك، وفي آية الذاريات أمر النبي ÷ أن يعرض عن دعوة أولئك الذين بلغهم رسالة ربه حتى عقلوها وعلموها وتيقنوها أما من لم يكن قد بلغهم رسالة ربه فلم يؤمر بالإعراض عنهم بل ما زال مكلفاً بتبليغ الرسالة إلى غير من أمر بالإعراض والتولي عنهم فكان ÷ يستعرض الحجيج بدعوته والعمار وخرج إلى الطائف واستمر في الدعوة حين هاجر إلى المدينة ثم واصل الدعوة بعد الهجرة حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً وعم الإسلام جزيرة العرب صلوات الله ورحمته وبركاته عليه وعلى آله الطاهرين.