محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة النجم

صفحة 305 - الجزء 4

  بنفسه خيراً، وأنه قد بلغ رتبة الكمال عند الله تعالى، وقد حاز وسام الرضا والرضوان، واستحق الجنة فإن ذلك من المهلكات.

  {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ٣٣ وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى ٣٤ أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى⁣(⁣١) ٣٥ أَمْ⁣(⁣٢) لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ٣٦ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ٣٧ أَلَّا تَزِرُ


= وهل حَلِف بعضهم بأنه لم يعص الله منذ بلغ التكليف أو نحو ذلك من هذا؟ فكيف محمله أم ليس منه؟

الجواب: يحمل ذلك على أنهم أرادوا أن يقتدي بهم الناس وأن يأخذوا عنهم ويقبلوا منهم، أو أنهم قالوا ذلك رداً على من تنقصهم وحقر من شأنهم ولم يصدر ذلك منهم لإعجاب منهم بأنفسهم وبكثرة أعمالهم، ولم يقطعوا أنهم من أهل التقوى والدرجات عند الله.

والتزكية للنفس - كما يظهر لي والله أعلم - هي أن يعجب الإنسان بأعماله الصالحات ويعتقد أنه لذلك من أهل الطهارة عند الله ومن أهل الدرجات ثم يمدح نفسه ويثني عليها بذلك.

وحلف بعضهم إنه لم يعص الله منذ بلغ التكليف ليس من التزكية، وكذا لو قال المسلم: إنه يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويحج ويعتمر ولا يشرب الخمر ولا يكلم ولا ... إلخ، فإن ذلك ليس من التزكية للنفس، إلا إذا صحبه إعجاب واعتقاد أنه من المتقين المقربين.

(١) سؤال: ما هو معمول «يرى» في قوله: «فهو يرى»؟

الجواب: معمول «يرى» محذوف؛ لوجود القرينة الدالة عليه وهي قوله: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ} أي: فهو يرى ما في علم الغيب.

(٢) سؤال: فضلاً هل الاستفهام هنا تقريري كما هو ظاهر كلامكم؟ فهل فهمنا أنه قد علم كل ذلك من جوابه المقدر أم ماذا؟

الجواب: الاستفهام لتقرير ما بعد النفي، وذلك يدل على أن الموجه إليه الكلام قد كان علم أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى بما كان قد نزل قبل ذلك من القرآن نحو: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}⁣[فصلت: ٤٦]، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ٣٨}⁣[المدثر]، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}⁣[الزلزلة]، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٥ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ٦ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ٧ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ٨ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ٩ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ١٠}⁣[الليل]، وأمثال هذا كثير.