محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الفاتحة

صفحة 26 - الجزء 1

  فهو الذي يجب أن نتوجه إليه ونحمده ونخاف منه؛ لأنه المجازي لنا، {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ١٦}⁣[غافر]، يعني لا يوجد هناك نفوذ إلا له وحده.

  فقد أمر الله أن تقرأ هذه السورة في كل صلاة: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» لأجل أن نحيي ذكره في قلوبنا، ونستشعر سبوغ نعمه علينا، وعظيم رحمته بنا، وأن مرجع الخلائق إليه في يوم الحساب؛ لتجزى كل نفس بما كسبت.

  وعليهم أن يتوجهوا إليه وحده ويخصوه بالعبادة.

  {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} يعني نتذلل لك، ونخضع لك غاية الخضوع وغاية الطاعة، ونرفض كل معبود سواك؛ لأنك وحدك رب العالمين، ومالك أمرهم، والمنعم عليهم، وكل ما يعبد من دون الله لا يستحق العبادة؛ لأنها لا تعمل لهم شيئاً، ولم تنعم عليهم بنعمة، ولم تحدث خلقاً.

  {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ٥} لا نستعين إلا بك، ولا نطلب المعونة على أمور ديننا ودنيانا إلا منك، وكل ما دونك لا يستحق أن نتوجه إليه بالطلب.

  وعدم الإجابة من الله لنا فله فيه حكمة؛ وذلك لئلا يدخل العجب في قلوبنا، ونفتتن في ديننا، ويدخلنا الغرور، وهذا من رحمته بنا، أي: لو أن الله تعالى يعقب السؤال بالإجابة عندما يسأله العبد لربما داخل السائل الغرور وظن أنه قد بلغ منزلة من التقوى رفيعة، وفي هذا الظن خطر عظيم على المؤمن، إذ يوقعه فيما نهى الله عنه من الغرور وتزكية النفس.

  هذا، ومن شأن المؤمن أن لا يمسي ولا يصبح إلا هو متهم لنفسه بالتقصير في طاعة الله والتفريط في ذكره والتضييع لشكره.

  وهذا لا يمنع أن نطلب المعونة من غير الله فيما يقدرون عليه من الإعانة على بعض أمور الدنيا، لكن لنعلم أن الله هو المعين، وهو المسخر، وأن كل شيء بيد الله، لا ينفع إلا إذا أراد الله؛ فالنبي قد استعان بالمشركين ودعاهم لمعاونته، وأن إعانته مبنية على الأسباب، والله هو المهيئ لهذا الذي يعينك، والمسخر له.