سورة الحديد
  وأخرج ثمره فأعجب الزراع منظره ولكن ما إن يكتمل نموه ذلك حتى يبدأ في الاصفرار والذبول إلى أن تفتته الريح وتطيره، فهذه حال الدنيا، فلا تغتروا بها، ولتكن همتكم في الجمع والادخار لآخرتكم لتسلموا مما أعد الله سبحانه وتعالى من العذاب الشديد لمن عصاه واتبع شهوات الدنيا ولذاتها.
  {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ٢١}(١) سارعوا وبادروا إلى فعل أسباب المغفرة من ربكم بتقوى الله سبحانه وتعالى وفعل ما يرضيه لتظفروا بما أعد من النعيم، وتفوزوا بثوابه الذي لا ينقطع ولا يزول، وأخلصوا إيمانكم بالله تعالى ورسوله بفعل ما أمركم واجتناب ما نهاكم عنه، والمخلص في إيمانه: هو المصدق بلسانه وقلبه مع العمل بجوارحه وأركانه، وما سوى ذلك فليس بإيمان على الحقيقة، ولا ينطبق عليه اسم الإيمان.
(١) سؤال: فضلاً ما الوجه في تقديم المغفرة على الجنة؟ وهل قوله: «كعرض السماء والأرض» يقتضي أنها كمجموع عرضيهما؟ وما الوجه في فصل جملة «أعدت للذين ..»، وكذا «ذلك فضل الله»؟ وهل دلالتها صريحة على أن الثواب تفضل من الله لا على وجه المجازاة والاستحقاق أم كيف؟
الجواب: قدمت المغفرة لأنها سبب في دخول الجنة، والسبب مقدم على المسبب. «كعرض السماء والأرض» يقتضي أن عرض الجنة كمجموع العرضين. وجملة «أعدت للذين ..» فصلت لأنها نعت ثان للجنة والنعت الأول: «عرضها كعرض ..». وفصلت جملة «ذلك فضل الله» لأنها تعليلية لما قبلها. ودلالة هذه الآية «ذلك فضل الله ..» صريحة في أن الثواب تفضل من الله وليس مستحقاً على الأعمال الصالحة، إلا أن الله تعالى لعظيم فضله جعل ذلك جزاءً على الأعمال وأجراً وثواباً عليه تفضلاً منه، ويلوح بخاطري أن الله تعالى فعل ذلك لطفاً بالمؤمنين ورحمة بهم ليزدادوا من أعمال الخير فإن المؤمن إذا علم أن الله سيثيبه على كل عمل صالح ولو قل وعلى كل مثقال ذرة من الخير استزاد وأكثر من صغير البر وكبيره، وحمله ذلك على عدم التهاون بعمل مثقال الذرة من الخير.