سورة الصف
  {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ(١) بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ٤} ثم أثنى الله سبحانه وتعالى على الذين أوفوا بما عاهدوا عليه النبي ÷ من نصرته بأموالهم وأنفسهم، وجهادهم بين يديه، وأنهم ثبتوا في مواطن القتال ولم يتزحزحوا ولم يغيروا ولم يبدلوا. ومعنى «بنيان مرصوص»: محكم ملتصق بعضه ببعض.
  {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ(٢) أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ٥} ثم يذكر الله سبحانه وتعالى المسلمين بما جرى لموسى # من قومه من الأذية، وما لاقاه منهم من التمرد والتكذيب والعصيان مع أنهم كانوا يعلمون أنه رسول إليهم من عند الله تعالى، ولكنهم عندما زاغوا وخرجوا عن طريق الحق والهدى خذلهم الله سبحانه وتعالى وأعمى قلوبهم، وسلبهم(٣) ألطافه وعنايته، وتركهم في ضلالهم يتخبطون، أراد الله سبحانه وتعالى بذلك أن يعتبر المسلمون فيحذروا أن يقعوا في مثل ما وقع فيه قوم موسى #.
(١) سؤال: فضلاً ما إعراب: «صفاً كأنهم»؟
الجواب: «صفاً» حال من فاعل «يقاتلون» بمعنى: صافين أو مصفوفين. «كأنهم ..» كأن واسمها وخبرها في محل نصب حال من الضمير المستتر في صفاً، فهي حال متداخلة.
(٢) سؤال: ما محل هذه الجملة؟
الجواب: في محل نصب حال من فاعل «تؤذونني» أو مفعوله.
(٣) سؤال: يقال: هل يستطيعون مع هذا السلب معرفة الهدى والأخذ به لو اختاروه، أم لا؟ فكيف يجوز على الله ذلك؟
الجواب: سلبهم الله الهدى الزائد على عقولهم الفطرية الذي كان قد زاده لهم حين استجابوا لطاعته وطاعة رسوله فلما أعرضوا أخذه الله، أما عقولهم الأصلية فلا زالوا عقلاء، وإذا أحبوا الهدى فستوصلهم عقولهم إليه، وعقولهم هي حجة الله عليهم، وهي معهم ولا تزال تناديهم إلى الهدى وترك ما هم فيه من الكفر والفسوق والعصيان، إلا أنهم يؤثرون دواعي الشهوات والأهواء على نداء العقول ودواعيه.