سورة المزمل
  فيه من الأفزاع.
  {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا ١٨} وأخبرهم أن السماء ستلد بذلك اليوم(١) المهول وستنشق عنه، ثم يخرج عليكم يوم الفزع من خلالها، من حيث لا تشعرون ولا تحتسبون، ووعد الله كائن لا محالة ولا مفر منه.
  {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ} إن هذه الآيات التي أنزلها الله تعالى في هذه السورة تذكرة إن أرادوا أن يتذكروا ويتعظوا، ويتركوا ما هم عليه من الكفر والطغيان والتكبر.
  {فَمَنْ(٢) شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ١٩}(٣) فمن أراد أن ينجي نفسه ويختار لها طريق النجاة بمحض إرادته واختياره فقد أحسن الاختيار لنفسه.
(١) سؤال: من أين يظهر لنا أن هذا هو المراد فهو معنى قويم؟ وما يكون معنى الباء في «به» حسب هذا المعنى؟ وهل يصح حملها على معنى «فيه» أم لا؟
الجواب: قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ٢٢}[الذاريات]، ففي هذا ما يدل على أن اليوم الموعود يأتي من السماء وبعد فالآية: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} نص في أن السماء ستنفطر وتنشق باليوم والباء للآلة كالتي في: كتبت بالقلم، وقطعته بالسكين، وشققته بالمنشار، أي: أن اليوم آلة لانفطار السماء وانشقاقها ففي الباء استعارة تبعية علاقتها المشابهة من حيث أن أول ما يحصل في ذلك اليوم هو تشقق السماء وانفطارها واختلال نظام كواكبها ونجومها أي: أن اليوم ظرف لذلك فشبه الظرفية بالآلة فاستعير لها الباء الدال على الآلة.
(٢) سؤال: ما هي هذه الفاء؟ وما السر في حذف مفعول «شاء»؟ وما وجه تنكير «سبيلا»؟
الجواب: الفاء عاطفة للمسبب على السبب، وقد التزموا حذف مفعول المشيئة في مثل هذا للعلم به من جواب الشرط، ولا يذكر إلا إذا كان غريباً نحو قوله: «ولو شئت أن أبكي دماً لبكيته»، والتنكير لتعظيم السبيل.
(٣) سؤال: كيف نستخلص من هذه الآية دليلاً واضحاً على هدم مذهب الجبر؟
الجواب: هذه الآية وقوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: ٢٩]، ونحوهما دليل واضح وصريح في أن أمر الإيمان والكفر مفوض إلى اختيار المكلف.
وبعد، فدليل وجود المشيئة للإنسان وأنه مختار في أفعاله غير مجبر ولا ملجأ هو دليل وجداني يجده الإنسان من نفسه كما يجد أنه مريض أو جائع أو مهموم، وعلم ذلك هو من العلوم الضرورية.