سورة البلد
  المشركون حرمتك في هذا البلد.
  وقد أقسم الله سبحانه وتعالى بذلك ليذكر قريشاً بنعمته عليهم بالبلد الحرام، وما جعل الله تعالى لهم بسببه من الأمن فيه وفي سائر البلاد فلا يتعرض لقريش أحد حيثما كانوا وحيثما ساروا، بخلاف غيرهم من العرب فقد كانوا خائفين.
  ثم أقسم الله تعالى أيضاً بآدم وذريته ليجر أفكارهم إلى النظر في بدء خلق الإنسان وتناسله، فإنهم إذا نظروا فسيعلمون أن الله سبحانه وتعالى قادر على إعادتهم بعد الموت وبعثهم للجزاء والحساب. وجواب القسم هو قوله: «لقد خلقنا الإنسان في كبد»، ومعنى «في كبد(١)»: أي: أن الإنسان يكابد منذ خروجه إلى الأرض وإلى أن يموت مصائب الدنيا، وقد فسر {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ٤} بمعنى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ٤}[التين].
  {أَيَحْسَبُ أَنْ(٢) لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ٥ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا ٦ أَيَحْسَبُ
= الناس والطير والوحش فحرمتهم مصونة عند المشركين في البلد الحرام، وقد كان التفسير على المعنى الذي تفيده الآية في الجملة فإنها تفيد أن المشركين يراعون حرمة البلد الحرام في الناس والوحش والطير أما أنت يا محمد فهم مستحلون لحرمتك.
(١) سؤال: ما نوع اسمية «كبد»؟ ولم لم يقل: في مكابدة؟ ومن أي مأخذ أخذ التفسير الثاني الذي ذكرتموه؟
الجواب: الكبَد اسم موضوع للشدة والمشقة، ومنه أخذ اسم الكبد؛ لأنها دم اشتد وغلظ، وقيل: إن الأصل الكبد في كبد الإنسان، ومنها أخذ اسم الشدة، وقد اشتقوا من ذلك الأصل فيقال: كبده يعني أصاب كبده، وكابد مكابدة، والأصل هو ما ذكرنا من القولين. وأخذ التفسير الثاني من تفسير الإمام الهادي # كما في المصابيح وذكره كثير من المفسرين كالرازي والماوردي وغيرهما وهو تفسير قوي يشهد له السياق {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ٥} {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ٨ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ٩}.
(٢) سؤال: فضلاً ما إعراب «أن لن يقدر»؟ وما محل جملة «يقول أهلكت ...»؟
الجواب: «أن» مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، «لن يقدر عليه أحد» جملة في محل رفع خبر أن الشأنية، و «أن» وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول به منصوب ساد مسد مفعولي «يحسب».