محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة الأنعام

صفحة 491 - الجزء 1

  {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ٩}⁣(⁣١) لو أنزلنا معك ملكاً لجعلناه في صورة رجل لتتم المخاطبة والتفاهم إلا أنه لا يرتفع الإشكال والشبهة، فسيقولون: وما يدرينا أنك ملك، وسيبقى الإشكال كما هو.

  وإنما لزم أن يجعله الله على صورة رجل؛ لأنه يتعذر الخطاب والمفاهمة إذا كان على صورته الحقيقية؛ لأن جنس الملائكة غير جنس البشر، وكان جبريل # ينزل على النبي ÷ في صورة رجل⁣(⁣٢)، وإلا لما تحمل النبي ÷ رؤيته على صورته الحقيقية.

  {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ١٠}⁣(⁣٣) أخبر الله نبيه ÷ بأن يُهوّن على نفسه فالرسل الذين من قبلك كانت أممهم تفعل بهم من التكذيب والاستهزاء والأذى مثلما يفعل قومك،


= يشير إلى هذا ما حكاه الله تعالى من دعاء نبي الله نوح #: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ٢٦ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ٢٧}⁣[نوح]، ففي هذا أن قومه قد استحقوا الاستئصال لاجتماع أسبابه: الكفر، وإضلال عباد الله، ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً، ولم يدع نوح # بهذا الدعاء إلا بعد أن أطلعه الله تعالى على أنهم لا يلدون إلا فاجراً كفاراً.

(١) سؤال: لماذا أسند الله اللبس إلى نفسه تعالى، وكان من حقه أن يقال: والتبس عليهم ..؟

الجواب: أسند الله تعالى اللبس إلى نفسه على فرض وقوعه؛ لأنه يكون تعالى هو الذي فعل سبب اللبس.

(٢) سؤال: هل كان ينزل في صورة رجل على الإطلاق أو في بعض الأحيان؟

الجواب: كان ينزل في صورة رجل على الإطلاق ولم يره النبي ÷ على صورته الحقيقية إلا مرتين، حكاهما الله تعالى في سورة النجم: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ٥ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ٦} إلى قوله: {وَلَقَدْ رَأَهُ نَزْلَةً أُخْرَى ١٣ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ١٤}⁣[النجم].

(٣) سؤال: ما معنى: {فَحَاقَ بِالَّذِينَ}؟ وما إعراب {مَا كَانُوا

الجواب: فأحاط بالذين سخروا جزاء ما عملوا من الاستهزاء والكفر. و {مَا كَانُوا}: «ما» اسم موصول في محل رفع فاعل «حاق»، والجملة بعده صلته.