محاضرات رمضانية في تقريب معاني الآيات القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

سورة يونس

صفحة 192 - الجزء 2

  رأوا أمارات نزول العذاب عليهم، وخرجوا حينها جميعهم بأهاليهم وأنعامهم يتضرعون ويتوسلون إلى الله سبحانه وتعالى أن يرفع عنهم عذابه، فتاب الله سبحانه وتعالى عليهم عندما علم صدق توبتهم، ورفع عنهم عذابه فعاشوا إلى أن استوفى كل منهم أجله المقدر له، وأنهم لو لم يؤمنوا لكان قد قطع آجالهم في الحال وعذبهم.

  {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ٩٩} كان النبي ÷ حريصاً على إيمان قريش أشد الحرص، وكاد أن يقتل نفسه ويهلكها في ملاحقتهم؛ فأخبره الله سبحانه وتعالى أنه لو شاء أن يكرههم على الإيمان لفعل، ولكن حكمته اقتضت أن يكون ذلك باختيارهم وإرادتهم، وأنك يا محمد لن تستطيع أن تكرههم، وما عليك إلا تبليغهم فقط.

  {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ١٠٠} أما أولئك الذين لم تنفع فيهم الدعوة، ورفضوا أن يستجيبوا لدعوة الرسل فقد طبع الله سبحانه وتعالى على قلوبهم، وسلبهم توفيقه وهداه.

  والمراد بإذن الله: يعني بألطافه وعلمه، وقد علم أن أولئك لن يؤمنوا ولو جاءتهم كل آية.

  ومعنى الرجس: هو الخذلان، والخذلان: هو سلب التوفيق والألطاف، ومن سلب الله عنه الألطاف والتنوير والتوفيق وقع في الرجس - أي: في المعاصي - وخاض فيها. والرجس هنا مجاز لغوي.

  {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ١٠١}⁣(⁣١) أمر الله سبحانه وتعالى نبيه ÷ بأن يأمر قريشاً بأن ينظروا إلى


(١) سؤال: يقال: هل في قوله: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ ...} دليل على اشتراط ظن التأثير في التبليغ أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم لا؟

الجواب: التبليغ واجب على الإطلاق سواء ظن التأثير أم لم يظن وذلك لإقامة الحجة. =