استراحة
  وعلى هذا فإنه يجب النظر، ولا يجوز التقليد لأئمة الحديث فيما حكموا بصحته، ولا الاعتماد على ذلك ما داموا لا يعوِّلون على العدالة، والذي يدل على أنه لا يجوز قبول خبر غير العدل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ٦}[الحجرات]، فأمر الله سبحانه بالتبين، وسمى خبر الفاسق جهالة تعقبها الندامة، وقال سبحانه: {وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}[هود ١١٣]، والاعتماد على الظالمين في أمر الدين من أعظم الركون.
  والمشهور عن النقلة للأخبار، ورواة السنن والآثار - أنهم يشترطون للعمل عدالة الراوي؛ ولذلك تراهم لا يقبلون من المراسيل إلا ما عرفوا أن مرسِله لا يرسل إلا عن عدل.
  وفي كتب أئمة الحديث الكثير من نحو قولهم: فيه(١) فلانٌ، شيعي، رافضي، قدري، مجهول، مدلس ... إلى غير ذلك مما يدل على أن العدالة عندهم شرط لا بد من قبوله، فالأظهر أن العدالة شرط عند جماهير علماء الأمة من أهل السنة وغيرهم.
  وقد استشكل ابن الأمير اشتراطهم العدالة في الراوي في كتب أصول الفقه وفي كتب مصطلح الحديث، بينما البخاري يروي عن مثل أولئك الذين ذكرناهم، فجزم بما ذكرنا أولاً من أنهم إنما يعتمدون صدق الراوي وإن أتى بأي بدعة.
  ورأيه هذا هو خلاف المعلوم من حال أئمة الحديث، ولكنه
(١) أي في سند الحديث.