العقل وأحكامه
  قالت العدلية: العادات تختلف باختلاف البلدان والشعوب، ولو كان استحسان المدح والذم ناشئاً عن العادة لاختلفت عادة الناس فيه بحسب اختلاف بلدانهم كما هي الحال في كل ما كان ناشئاً عن العادات والتقاليد، غير أنا لما رأينا اتفاق الناس على اختلاف شعوبهم وبلدانهم على استحسان المدح والذم علمنا أن العقل هو الذي نشأ عنه الحكم بذلك.
  وقالت العدلية أيضاً: لو لم يكن الكذب قبيحاً لحسن منه تعالى الكذب، وخلق المعجزة على يد الكاذب، وفي ذلك إبطال الشرائع وبعثة الرسل؛ إذ لا يتبين صدقه تعالى من كذبه، ولا النبي من المتنبي.
  وتوضيح ذلك: أن أهل السنة قالوا: إن القبائح كلها شرعية، بمعنى أن ما أمر الله تعالى به فهو حسن، وما نهى عنه فهو قبيح، وهذا في حق المخلوقين، أما الخالق تعالى فلا آمر له ولا ناهي فله أن يفعل ما يشاء، وما فعله فهو حسن، فله أن يفعل الصدق وأن يفعل الكذب، وأن يفعل العدل والظلم، و ... إلخ، وكل ذلك حسن من فعله إذ لا آمر له ولا ناهي.
  فإذا كان الأمر كذلك فلا يمتنع عندهم أن يجعل الله تعالى المعجزة على يد الكذاب، ومن هنا قال بعضهم بفساد هذا