العقل وأحكامه
  ومن البعيد غاية البعد أن يدور في فكر أي عاقل أن الظلم والبغي والعدوان وعبادة الأصنام، و ... إلخ كانت حسنة قبل بعثة الرسل.
  احتج أهل السنة فقالوا: العبد غير مختار في أفعاله؛ إذ أن الله تعالى هو الذي خلقها، لا فعل للعبد فيها ولا إرادة ولا مشيئة، وحينئذ فلا يحكم العقل فيها بحسن ولا قبح؛ لأن ما ليس اختيارياً كالطول والقصر لا يحكم فيه العقل بشيء من ذلك بالاتفاق.
  أجابت العدلية: بأن حجتكم هذه احتجاج منكم بالمذهب، ومذهبكم ليس دليلاً، ويمكننا أن نحتج عليكم بمثل حجتكم فنقول: العبد مختار في أفعاله يفعلها بمجرد اختياره ومشيئته وإرادته، وحينئذ تتوجه أحكام العقل إليها.
  وقال أهل السنة: لنا دليل على أن العبد غير مختار في أفعاله زيادة على ما ذكرنا هو: أنه لو كان الفعل من العبد لكان العبد بفعله المعصية والفساد منازعاً لله تعالى ومغالباً له، وعلى ذلك فيكون الباري تعالى عاجزاً ومغلوباً حيث وقع في سلطانه ما لا يريد.
  أجابت العدلية: بأن العبد بفعله المعصية لم يقاوم ولم يغالب ولم ينازع، وإنما مثله كمثل عبد قال له سيده: لا أرضاك تأكل الآرز لمصلحة رأيتها لك، ولا أحبسك عنه لكن إن فعلت عاقبتك؛ فإن أكل العبد للآرز في هذا المثال لا يعد نزاعاً لسيده