المعاد
  المحشر اللتين يحصل فيهما حياة الجسد والروح، أما حياة القبر فليست كذلك، إنما هي حياة الروح فقط، وعذاب القبر أو نعيمه على هذا ليس فيه إحساس ولا وجدان ألم أو لذة مطعم أو مشرب أو منكح؛ لأن ذلك إنما هو من شأن الأجساد.
  أما الروح فإنما تعذب في القبر بالأهوال والمخاوف وتعرض عليها النيران ومقامع الحديد، و ... إلخ.
  وتوضيح ذلك على جهة التقريب أن عذاب القبر من جنس ما يجده النائم في بعض أحلامه من الأهوال والشدائد والمضائق والهموم والغموم والأحزان، ومن هنا يقول الله تعالى في صفة عذاب أرواح آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ٤٦}[غافر].
  فأخبر تعالى عن ذلك بأن آل فرعون يعرضون على النار ليروا ما أعد الله لهم فيها من الأهوال وشديد العذاب من غير أن يدخلوها، أما دخولها فإنما هو يوم القيامة حين تبعث أجسادهم من مراقدها.
  وعلى هذا النحو يكون نعيم أرواح المؤمنين؛ فإنها تحيا حياة السرور والنعيم، وحياة الغبطة والفرح، بما يعرض عليها وتراه من الثواب الذي أعده الله تعالى لهم في جنات النعيم، وبما يجدونه من البشرى بالسلامة من العذاب الأليم، وبرضا ربهم عنهم، ومغفرته لهم.