الباب السادس: في العموم والخصوص، والإطلاق والتقييد
  وَالمُخْتَارُ أَنَّهُ يَصِحُّ تَخْصِيصُ كُلٍّ مِنَ: الكِتَابِ(١) وَالسُّنَّةِ(٢) بِمِثْلِهِ، وَبِسَائِرِهَا(٣)، وَالمُتَواتِرِ بِالآحَادِيِّ(٤).
  وَالمُخْتَارُ: أَنَّهُ لاَ يُقصَرُ العُمومُ عَلَى سَبَبِهِ(٥)، وَأَنَّهُ لاَ يُخَصَّصُ العَامُّ بِمَذْهَبِ رَاوِيْهِ(٦)، وَلاَ بِالعَادَةِ(٧)، وَلاَ بِتَقْدِيرِ مَا أُضْمِرَ فِي المَعْطُوفِ مَعَ العَامِّ المَعطُوفِ عَلَيهِ(٨)، وَأَنَّ العَامَّ بَعدَ تَخْصِيصِهِ لاَ يَصِيرُ مَجَازاً فِيمَا بَقِيَ، بَلْ حَقِيقَةً. وَأَنَّهُ يَصِحُّ تَخصِيصُ الخَبَرِ(٩). وَلاَ يَصِحُّ تَعَارُضُ عَمومَينِ فِي قَطْعِيٍّ(١٠)،
(١) مثال تخصيص الكتاب بالكتاب قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ ...} الآية، فإنه مخصص لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا ...} الآية؛ لأن هذا عام للحاملات وغيرهن.
(٢) مثال تخصيص السنة بالسنة قوله ÷: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقةً» فإنه مخصص لقوله ÷: «فيما سقت السماء العشر».
(٣) أي: بسائر المخصصات المنفصلة، فيجوز تخصيص الكتاب بالسنة والإجماع والقياس والعقل والمفهوم، وكذلك السنة.
(٤) نحو قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} فإنه عام يدخل فيه جواز نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وقد خصص بقول النبي ÷: «لا تنكح المرأة على عمتها وخالتها».
(٥) نحو قوله ÷ وقد سئل عن بئر بضاعة: «خلق الماء طهوراً لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو شمه» فيعم هذا الحكم بئر بضاعة وغيرها.
(٦) مثاله: ما روي عن ابن عباس أن النبي ÷ قال: «من بدل دينه فاقتلوه» وكان يرى أن ذلك في حق الرجال دون النساء فلا يخصص العموم برأيه.
(٧) نحو أن يقول: حرمت الربا في الطعام، فهذا عام تناول البر وغيره، وعادة المخاطبين تناول البر فقط فلا يخصص العام بالعادة.
(٨) المقدَّر في المعطوف هو كلمة «حربي»؛ لأن الإجماع قائم على قتل المعاهد بمثله وبالذمي، فلا يجب أن يقدر في المعطوف عليه الأول كلمة «حربي» لتقديرها في المعطوف، وهو: «ولا ذو عهد في عهده بكافر».
(٩) كما يصح تخصيص الأمر والنهي، نحو قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فإنه مخصَّص بالعقل.
(١٠) كمسائل أصول الدين التي يستدل عليها بالسمع، كالوعد والوعيد والشفاعة.