الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

مسألة: [وجوب التأسي بالنبي ÷ وطريق وجوبه]:

صفحة 116 - الجزء 1

مسألة: [وجوب التأسي بالنبي ÷ وطريق وجوبه]:

  يجب التأسي به ÷ في الجملة إجماعاً وإن اخْتُلِفَ في التفاصيل.

  وطريقُ وجوبه عند أكثر أئمتنا $ والجمهور السمعُ فقط، وهو قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}⁣[الأحزاب ٢١]، ونحوها⁣(⁣١).

  وقال الإمام يحيى # وغيره: بل العقل والسمع.

  قلنا: هذه دعوى على العقل؛ إذ لم نعلم وجوب اتباع أفعاله إلا لعلمنا بأنه امتثال لأمر الشارع بما شاء أن يستأدي شكره منا، فإذا لم يرد أمره⁣(⁣٢) به فمن أين يجب؟ وأيضاً فإنا نُجوِّز اختلاف حكمنا وحكمه، كما قد وقع، ولا بُدَّ من دليل سمعي⁣(⁣٣) حينئذٍ.

  واختلف العلماء في التأسي به ÷ هل هو واجب إلا فيما خصه دليل، أو غير واجب إلا فيما خصه دليل الوجوب؟

  ذهب أئمتنا $ والجمهور إلى الأول، واختلفوا هل ذلك عام في العبادات وغيرها، أو خاص في العبادات فقط؟ والصحيح الأول.

  وإلى ما ذكرناه من الاختيار في الطرفين أشار بقوله: (والمختار وجوب التأسي به ÷ في جميع أفعاله) وتروكه، وأقواله المتعلقة به⁣(⁣٤)، المعلوم وجهها⁣(⁣٥)


(١) كقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ...} الآية [آل عمران ٣٠].

(٢) الضمير في «أمره» عائد إلى الشارع، والضمير في «به» عائد إلى التأسي.

(٣) وهو نحو قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} لأن معناه: مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فله في رسول الله أسوة حسنة، فدلت على لزوم التأسي للإيمان، ويلزم بحكم عكس النقيض عدم الإيمان لعدم التأسي. شفاء غليل السائل.

(٤) خرج ما يتعلق بغيره.

(٥) أي: من وجوب، أو ندب، أو كراهة، أو حظر، ووقع خلاف في المباح، فقيل: لا تأسي في المباحات؛ إذ لا تكليف علينا فيها، وقيل: بل يجب التأسي به فيها؛ لظاهر قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فإن ظاهرها وجوب التأسي به في إيجاب ما أوجب وندب ما ندب واستباحة ما أباح.