الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[الدليل الرابع القياس]

صفحة 330 - الجزء 1

  (و) منها: ذكر وصف مناسب مع الحكم (مثل: لا يقضي القاضي وهو غضبان) فإن فيه تنبيهاً على أن الغضب علة عدم جواز الحكم؛ لأنه مُشوِّش للنظر، وموجب للاضطراب. ومثل: أكرم العلماء وأهن الجهال؛ وذلك لأنه أُلِفَ من الشارع اعتباره للمناسبات، فيغلب من المقارنة مع المناسبة ظنُّ الاعتبار، وجعلُهُ علة.

  نعم، هذا إذا ذكر الحكم والوصف جميعاً فإنه إيماء بالاتفاق، فإن ذكر أحدهما فقط، مثل: أن يذكر الوصف صريحاً والحكم مستنبطاً، مثل قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}⁣[البقرة ٢٧٥] فإن حِل البيع وصف له قد ذُكر، فعُلم منه حكمه، وهو الصحة، أو مثل أن يذكر الحكم والوصف مستنبط، وذلك كثير، منه أكثر العلل المستنبطة، مثل: حرمت الخمر - فاختلف⁣(⁣١) في أنه هل يكون إيماء يقدم عند التعارض على المستنبطة بغير إيما؟ فقيل: كل منهما إيماء؛ بناء على أنه اقتران العلة بالحكم وإن قدر أحدهما. وقيل: ليس بإيماء⁣(⁣٢)؛ بناءً على أنه لا بد من ذكرهما معاً. والمختار - وفاقاً لأكثر المحققين - أن الأول إيماء، لا الثاني؛ لأن ذكر علة الحكم كذكره⁣(⁣٣)؛ لاستلزامها إياه، كالحِلِّ لصحة البيع⁣(⁣٤). (ونحو ذلك) من أنواع الإيماء، نحو: النهي عن فعل في وقت معين قد أوجب علينا فيه ما ينافي ذلك الفعل؛ إذ يُشْعِر بأن علة تحريمه كونه مانعاً من الواجب، نحو قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}⁣[الجمعة ٩] فالنهي عن البيع بعد الأمر بالسعي مُنَبِّهٌ على أن العلة في تحريم البيع حينئذٍ كونه مانعاً من الواجب⁣(⁣٥).


(١) في (ب): «فقد اختلف». وهذا جواب إن الشرطية في قوله: «فإن ذكر أحدهما فقط».

(٢) بل استنباط. هامش (أ).

(٣) أي: كذكر الحكم.

(٤) بخلاف ذكر الحكم فلا يستلزمها لجواز كونه تعبديا. هامش (ب).

(٥) وهو صلاة الجمعة.