الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[خاتمة باب الأدلة: الحظر والإباحة]

صفحة 420 - الجزء 1

  بإدراكه، كالمحسنات والمُقبِّحات الشرعية، كحسن الصلاة ونحوها، وقبح الزنا ونحوه.

  وقال جمهور الأشعرية: بل شرعيان بذلك⁣(⁣١). وقال بعض الأشعرية والحنفية والحنابلة: أما حسن الشيء بمعنى كونه متعلقاً للمدح عاجلاً، وقبحه بمعنى كونه متعلقاً للذم عاجلاً - فعقليان. وأما حسنه بمعنى كونه متعلقاً للثواب آجلاً، وقبحه بمعنى كونه متعلقاً للعقاب آجلاً - فشرعيان.

  لنا: تصويب العقلاء مَن مدح أو أحسن إلى المحسن ولو تراخى، ومَن ذمَّ أو عاقب المسيء ولو تراخى.

  (و) أما باعتبار كونه غير متعلق بأيهما فهو من المباح على (المختار) وهو قول أئمتنا $ والجمهور؛ لأنهم قالوا: (إن كل ما) يصح أن (ينتفع به) بالتصرف فيه (من غير ضرر) على أحد لا (عاجل ولا آجل فحكمه الإباحة عقلاً) حتى يَرِدَ حظر شرعي، وذلك كتناول النابت في غير ملك، ومنه التمشي في البراري، والتظلل تحت الاشجار، والشرب من الأنهار. (وقيل: بل) حكمه (الحظر) وهو قول بعض الإمامية، والبغدادية، والفقهاء، حتى تَرِد إباحة شرعية. (وبعضهم) وهو الأشعري وبعض الشافعية (توقف) بمعنى لا ندري هل هناك حكم أَوْ لا؟ ثم إن كان هناك حكم فلا ندري هل هو حظر أو إباحة؟

  ولا بد من تحرير محل النزاع، فنقول: ليس الخلاف في الأفعال التي قضى العقل فيها بحُسن أو قُبْح، فهي ما بين واجب، ومندوب، ومحظور، ومكروه، ومباح؛ لأنه لو اشتمل أحد طرفيه على مفسدة: فإما فعله، كالظلم والكذب - فحرام، أو تركه، كرد الوديعة، وشكر المنعم - فواجب. وإن لم يشتمل عليها: فإن اشتمل على مصلحة: فإما فعله، كالصفح عن المسيء - فمندوب، أو تركه، ...


(١) أي: بالاعتبار الثالث، وهو كون الشيء متعلقاً للمدح عاجلاً ... إلخ.