الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[النهي]

صفحة 487 - الجزء 1

[النهي]

  (فصل: والنهي) هو (قول القائل لغيره: لا تفعل أو نحوه على جهة الاستعلاء كارهاً لما تناوله).

  فقوله: «قول القائل لغيره» كالجنس، وقوله: «لا تفعل» خرج الأمر، وقوله: «أو نحوه» ليدخل ما في معناه، نحو أن يقول: «حرمت عليك أن تفعل كذا»، فإنه في معنى لا تفعل كذا، وقوله: «على جهة الاستعلاء» ليخرج الدعاء، نحو: اللهم لا تعذبني، ولا تغفر لفلان، ونحو ذلك، فإن ذلك ليس بنهي. وقوله: «كارهاً لما تناوله» ليخرج التهديد، نحو: أن يأمر عبده أن يفعل كذا، فيتثاقل، فيقول له: لا تفعل ما أمرتك به، متوعداً له بالعقوبة.

  ويصير النهي نهياً بالكراهة للمنهي عنه، خلافاً للمجبرة، فزعموا أنه يصير نهياً بإرادة كونه نهياً.

  لنا: أنه قد يرد تهديداً كما مرّ، وتحقيراً، كقوله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ}⁣[طه ١٣١]، وبياناً للعاقبة، كقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}⁣[إبراهيم ٤٢]، ودعاء، كقوله ÷: «ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين»، وإيئآساً، كقوله تعالى: {لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ}⁣[التحريم ٧]، وإرشاداً، كقوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}⁣[المائدة ١٠١]، وحينئذٍ فلا يتميز النهي عن سائر تلك المعاني إلا بها⁣(⁣١)، فإن الناهي كارهٌ لما نهى عنه، والمتهدد مريدٌ لما تضمنته الصيغة، ونحو ذلك.

  نعم، وصيغته تخالف صيغة الأمر في أن حكمها التكرارُ كما يأتي؛ فينسحب حكمها على جميع الأزمان. والفورُ؛ فيجب الانتهاء في الحال. وأيضاً فإن الأستاذ نقل إجماع القائلين بكون «لا تفعل» للتحريم على أنها قبل الإيجاب وبعده سواء


(١) أي: بكراهة المنهي عنه.