الأنوار الهادية لذوي العقول،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

[النهي]

صفحة 492 - الجزء 1

  أنه قد يكون المنهي عنه فاسداً كبيع الغرر، وقد لا يكون كبيع حاضر لبادٍ، لكن اختلفوا في الأصل من الأمرين.

  واعلم أن بعضاً ممن قال: «إن⁣(⁣١) النهي لا يدل على الفساد» لم يقتصر حتى قال: إنه يدل على الصحة شرعاً قبل النهي، وهو قول أبي حنيفة ومحمد؛ لأنه لو لم يكن صحيحاً لكان ممتنعاً عن المكلف، بمعنى أنه لا يتصور له وجود شرعي، وهو معنى الصحة، فلا يمنع المكلف عنه؛ لأن المنع عن الممتنع لا يفيد؛ فلا يقال لمن لا يقدر على القيام: لا تقم.

  قلنا: إنه ممتنع بهذا المنع، وإنما المحال منع الممتنع بغير هذا المنع.

  واعلم أن حظ الأصولي⁣(⁣٢) معرفة انحصار المناهي في الثلاثة⁣(⁣٣)، وتمييز كلٍ منها عن الآخر جملة، فأما النظر في آحاد الصور الجزئية من أيِّ الأخيرين هي، والحكم عليها بأحد الأقوال المتقدمة - فموكول إلى نظر الفقيه؛ ولذلك تختلف أنظار الفقهاء في كثير من صور الفروع.

  وقوله: (على المختار فيهما) أي: في الطرفين: دلالته على القبح، وعدم دلالته على الفساد. ويجوز أن يعود إلى المسألتين: مسألة: ويقتضي مطلقه الدوام لا مقيده، ومسألة: ويدل على قبح المنهي عنه لا فساده، والله أعلم، وقد أوضحنا⁣(⁣٤) وجه الاختيار كما ترى.

  نعم، فأما النهي المقتضي للكراهة فيدل على مرجوحية المنهي عنه لا على فساده، كالنهي عن الصلاة في الأماكن المكروهة؛ ولذلك تقع عن الواجب مع النهي عنها.


(١) في (ج): «بأن».

(٢) أي: ما ينفع الأصولي من هذا البحث.

(٣) وهي: المنهي عنه لعينه، ولوصفه، ولأمر خارج.

(٤) في (ج): «وقد قررناه كما ترى».