شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الأدلة الشرعية]

صفحة 121 - الجزء 1

  وغيرهم، فيحتاج إلى التعديل والبحث عن أحوالهم.

  قلت: وهو الأظهر؛ لأن منهم المطيع والعاصي قطعاً، ومنهم المجهول حاله، فإذا احتيج إلى تعديل مجهول من بعدهم - لما تقدم - مع إيمانهم بالغيب طوعاً ورغبة، والتزامهم طريق السنة مع فساد الزمان، وانقضاء زمن مشاهدة آثار الوحي وظهور المعجزات، المشار إليه بقوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ...} الآية [البقرة ٣]؛ ولذا قال ÷ وقد قالوا: يا رسول الله: أحد خير منا، آمنا بك وقاتلنا معك؟ قال: «نعم، قوم من بعدكم، يؤمنون بي ولم يروني»، وقال ÷: «وا شوقاه إلى إخواني» فقالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ فقال ÷: «أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني» أو كما قال. وقال ÷: «كيف تعجبون من إيمان الملائكة وهم عند [وحي. نخ] ربهم، وكيف تعجبون من إيمانكم وأنا بين أظهركم؟ إنما العجب من قوم يأتون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني» أو كما قال⁣(⁣١).

  وروى أن أصحاب عبدالله ذكروا أصحاب رسول الله ÷ وإيمانهم، فقال ابن مسعود: إن أمر محمد كان بيناً لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب - احتيج⁣(⁣٢) إلى تعديلهم، والله أعلم.

  [وهذه مسألة يبتني عليها كثير من الأحكام الشرعية، فلا ينبغي لمجتهد أن يقتصر فيها على أول نظر، بل يبالغ في البحث والطلب حتى يدرك ما هو الحق من هذه الأقوال، فإن من سلم من داء التقليد والعصبية إذا حقق النظر في هذه


(١) وفي معناه ما رواه محمد بن عبدالرحمن السخاوي البصري في شرحه لهداية الجزري في علم الرواية عن ابن كثير مستدلاً للعمل بالوجادة بحديث: أيُّ الخلق أعجب إليكم إيماناً؟ قالوا: الملائكة، قال: وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ وذكروا الأنبياء فقال: وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟ قالوا: فنحن، قال: وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: قوم يأتون بعدي [بعدكم. نخ] يجدون صحفاً يؤمنون بما فيها.

(٢) هذا جواب إذا السابقة في قوله: فإذا احتيج إلى تعديل ... إلخ.