[ثالث طرق العلة: السبر والتقسيم]
  القاضي وهو غضبان)، نبه على عِلِّية الغضب - لشغله للقلب وتشويشه للنظر - لعدم(١) جواز القضاء. ومثل: أكرم العلماء، وأهن الجهلاء(٢)؛ وذلك لأنه يغلب من المقارنة مع المناسبة ظن الاعتبار، (ونحو ذلك) من أنواع الإيماء، كالنهي عن فعل في وقت معين قد أوجب علينا فيه ما ينافي ذلك الفعل؛ إذ يشعر بأن علة تحريمه كونه مانعاً من الواجب، كقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الجمعة: ٩]، فالنهي عن البيع بعد الأمر بالسعي منبه على أن العلةَ في تحريم البيع حينئذ كونُه مانعاً من الواجب.
[ثالث طرق العلة: السبر والتقسيم]
  (وثالثها) أي: طرق العلة الأربع (السبر والتقسيم، ويسمى) في الاصطلاح (حجة الإجماع)؛ لأنه يرجع في تعيين ما ادُّعي علِّيَّته إلى الاحتجاج بالإجماع على أنه لا بد لذلك الحكم من علة، (وهو) أي: هذا الطريق؛ إذ يجوز تذكيره، قال تعالى: {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ٣٠}[الأحقاف ٣٠]، أو باعتبار الخبر - (حصرُ الأوصاف) الموجودة (في الأصل) الصالحة للعلية في بادئ الرأي(٣)، ومعرفتُها بأعيانها، وهذا هو التقسيم، (ثم إبطال التعليل بها) أي: بتلك الأوصاف جميعها، وهو السبر، وإنما قدمه على التقسيم لتقدمه في الاعتبار؛ لأنه يسبر المحل أولاً هل فيه أوصاف أو لا؟ ثم يقسم، ثم يسبر ثانياً بأن يبطلها(٤) (إلا) ما ادعي عليته منها (واحداً) كان أو أكثر (فيتعين) حينئذ كونه العلة للحكم.
(١) متصل بقوله: عليَّة الغضب.
(٢) «الجهال». نخ
(٣) قوله: في بادئ الرأي، ليدفع ما يقال: صلوح الأوصاف للعلية مع إبطال البعض متناف، ووجه الدفع أن عدم صلوح البعض إنما هو بعد النظر.
(٤) «يُبطَل». نخ.