[رابع طرق العلة: المناسبة]
  تعريف للشيء بنفسه(١). وذلك (كـ) النظر والاجتهاد في كون (الإسكار) علة (في تحريم الخمر)، فإن من نظر في حكم الخمر - وهو التحريم - ووصفه - وهو الإسكار - يعلم منه كون ذلك الوصف بالنظر إلى ذاته مناسباً لشرع التحريم؛ لأجل حفظ العقل، ويقاس عليها ما ساواها في ذلك.
  (وكـ) النظر والاجتهاد في كون (الجناية العمد العدوان) علة (في) وجوب (القصاص)؛ فإن من نظر في الجناية ووصفها - وهو كونه عمداً عدواناً - يجد ذلك الوصف بالنظر إلى ذاته مناسباً لشرع القصاص؛ لأجل حفظ النفوس، كما نبه على عليته تعالى بقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة ١٧٩].
  وإنما قال: «الجناية» ولم يقل: «القتل» كما قال غيره؛ لأنه أشمل(٢).
  وإنما كانت هذه الأربع طرقاً للعلة: أمَّا النص وتنبيه النص فلأن الشارع إذا نص على العلة أو نبه عليها فلا يحتاج إلى سؤاله عن دليل على ذلك كما لا يحتاج في سائر الأحكام؛ لأن قوله دليل، إذ قد علمنا صدقه بظهور المعجز.
  وأما الإجماع فلأن قول أهله كقول الشارع؛ لما ثبت من الدليل على أن قولهم حجة.
  وأما حجة الإجماع والمناسبة فللإجماع على أنه لا بد للحكم من علة في الجملة، وقد تعينت العلة بهما؛ فيجب اعتبارها كما سبق.
  (و) اعلم أن المصلحة التي كان الوصف لأجلها مناسباً إذا لزم من وجود حكمها وجود مفسدةٍ مرجوحةٍ لا تنخرم اتفاقاً؛ لشدة اهتمام الشارع برعاية المصالح، وابتناء الأحكام عليها.
  واختار الجمهور أنها (تنخرم المناسبة) بين العلة والحكم (بلزوم مفسدةٍ) من إثبات الحكم بها (راجحةٍ) تلك المفسدة على المصلحة (أو مساويةٍ) لها؛
(١) وجوابه: أن المناسبة المذكورة في التعريف لغوية؛ بمعنى الملائمة، فلا يلزم تعريف الشيء بنفسه.
(٢) للنفس والأطراف، والقتل خاص بالنفس.