شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[المخصص المنفصل]

صفحة 126 - الجزء 2

  فإن عورض بقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ}⁣[النحل ٤٤]، قلنا: الحق أنه ÷ المبين بالكتاب والسنة؛ لأن الكل ورد على لسانه، فكان هو المبين⁣(⁣١) تارة بالكتاب وتارة بالسنة، فلا مخالفة ولا معارضة⁣(⁣٢).

  وأما السُّنة بالسُّنَّة - سواء كانتا متواترتين أو آحاديتين أو مختلفتين؛ لأن المراد من المماثلة مطلقها، وهو يحصل بكونهما سنة وإن اختلفتا تواتراً وآحاداً - فَلِلْوُقُوعِ أيضاً، فإن قوله ÷: «فيما سقت السماء العشر» رواه أبو داود والنسائي عن ابن عمر - مخصوصٌ بقوله ÷: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري. وهو في السنة أكثر من أن يحصى، ولئلا⁣(⁣٣) يبطل الأقوى - وهو الخاص - بالأضعف - وهو العام -.

  (و) كما يجوز تخصيص الكتاب والسنة بمثله يجوز - أيضاً - التخصيص لهما (بسائرها) أي: سائر الأدلة، أما الكتاب بالسنة المعلومة بالتواتر أو بغيره فلا خلاف فيه كما قال ابن السمعاني: إن محل الخلاف في خبر الآحاد إذا لم يجمعوا على العمل به، أما إذا أجمعوا عليه فيجوز التخصيص به بلا خلاف.

  وأما بالظنية فحكى أبو الخطاب⁣(⁣٤) عن بعض الحنابلة، ونقله الغزالي في المنخول عن المعتزلة، ونقله ابن برهان⁣(⁣٥): أنه ممتنع.

  واختيار أئمتنا $ والجمهور: جوازه مطلقاً⁣(⁣٦)؛ لإجماع السلف


(١) لأن تلاوة النبي ÷ آية التخصيص بيان منه له.

(٢) أي: بين {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} و {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ}.

(٣) هذا دليل ثان على جواز تخصيص السنة بالسنة، وإنما كان العام أضعف لاحتمال التخصيص، وأيضاً العمل بالعام يبطل الخاص بالكلية، بخلاف العكس.

(٤) هو محفوظ بن أحمد بن حسن العراقي شيخ الحنابلة أبو الخطاب مولده سنة ٤٣٢ هـ، من آثاره «الهداية» رؤوس المسائل أصول الفقه توفي سنة ٥١٠ هـ.

(٥) عن طائفة من المتكلمين والفقهاء.

(٦) سواء خصص بقطعي أي: سبق تخصيص العام بقطعي أم لا، وسواء كان قد خصص بمنفصل أم لا.