شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الاختلاف في جواز تعبد النبي ÷ بالاجتهاد فيما لا نص فيه]

صفحة 201 - الجزء 2

  تعلق مصلحته بالتوصل إلى كثير من الأحكام عن طريق القياس والاجتهاد، فيتعبد بذلك كما تُعبدنا.

  وحكي عن بعض أئمتنا $ المنع؛ لأنه ÷ قادر على اليقين في الحكم بانتظار الوحي، فيحرم عليه الظن الذي لا يحصل من الاجتهاد سواه.

  ورد بالمنع؛ فإن إنزال الوحي غير مقدور له، وانتظاره لا يستلزمه⁣(⁣١)؛ ولذا كان يحكم بالشهادة مع أنها لا تفيد إلا الظن⁣(⁣٢).

  وتجويز خطئه فيه⁣(⁣٣) ممنوع؛ لعصمته، واستلزامه عدم الثقة بقوله⁣(⁣٤). سلمنا ذلك⁣(⁣٥) - كما ذهب إليه بعض القائلين بالوقوع - فلا يقر عليه اتفاقاً؛ فلا يلزم منه عدم الثقة بقوله.

  ثم اختلف القائلون بالجواز - وهم الأكثر - في وقوع تعبده ÷ بالاجتهاد في الأحكام الدينية، فقال أبو طالب # وأكثر المعتزلة: إنه لم يقع؛ لقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ٣ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ٤}⁣[النجم]؛ إذ معناه: أن كل ما ينطق به عن وحي، وهو ينفي الاجتهاد.

  ورد بتخصيصه بما بلَّغ من القرآن؛ لأنها لرد قولهم فيه: إنه مفتر.

  وإن سلم عمومه⁣(⁣٦) فتعبده بالاجتهاد ثابت بالوحي، فيكون الحكم الثابت بالاجتهاد ثابتاً بالوحي.


(١) أي: لا يستلزم إنزال الوحي.

(٢) ولا يلزمه انتظار الوحي اتفاقاً.

(٣) أي: في الاجتهاد.

(٤) فلا يجوز عليه الخطأ فيما يجتهد فيه وإن جاز علينا، كما لا يجوز عليه السهو والغلط فيما يبلغه عن الله تعالى وإلا وقع عليه الريب في جميع أحكامه؛ لاحتمال كونها عن اجتهاد مغلوط فيه وذلك مما يقتضي التنفير عنه والقبول منه. شرح غاية.

(٥) أي: تجويز الخطأ عليه.

(٦) بناء على أن خصوص السبب لا يوجب خصوص الحكم.