شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[هل يجوز للمجتهد تقليد مجتهد آخر]

صفحة 213 - الجزء 2

  على الأصل لا يجوز، كما لا يجوز التيمم إلا عند تعذر الوضوء.

  ولقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ}⁣[النساء ١٠٥]، وقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}⁣[الحشر ٢]، فإنه يعم الاجتهاد؛ وترك العمل⁣(⁣١) به في العامي أوجبه العجز.

  وللقياس على⁣(⁣٢) التقليد في الأصول بجامع القدرة على الاحتراز عن الضرر المحتمل. ولا يفرق بأن المطلوب هو الظن وهو يحصل بالتقليد؛ لأن المطلوب الظن الأقوى وهو متمكن منه. ولا ينقض بقضاء⁣(⁣٣) القاضي حيث لا يجوز خلافه؛ لأن ذلك عمل بالدليل الدال على أنه لا ينقض، لا بالتقليد⁣(⁣٤).

  (ولو) كان هو في نفسه فاسقاً، ولو كان ذلك الغير حاكماً أو (أعلم منه).

  وقال الشيباني وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة: يجوز له تقليد من هو أعلم منه - لأرجحيته عليه - دون المساوي والأدنى.

  (ولو) كان أيضاً (صحابياً).

  وذهب مالكٌ والجبائي وأحد قولي الشافعي وأحمدُ: إلى جواز تقليد صحابي راجح في نظره على غيره من الصحابة المخالفين له، وإلَّا خُيِّر في تقليد أيهم شاء مع الاستواء فيه؛ محتجين بقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}⁣[النحل ٤٣]، ونحو قوله ÷: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم».

  أما الآية فلأنه قبل الاجتهاد لا يعلم، والآخر من أهل الذكر فيسألونه⁣(⁣٥) للعمل.


(١) قوله: «وترك العمل به» أي: بقوله تعالى: {فاعتبروا} في العامي ... إلخ، وهذا جواب سؤال.

(٢) قوله: «وللقياس على التقليد» عطف على قوله: «لأن الاجتهاد أصل» يعني ولقياس عدم جواز تقليد المجتهد في الفروع على عدم جواز تقليده في الأصول.

(٣) قوله: «ولا ينقض» أي: الدليل الدال على عدم جواز تقليد المجتهد لغيره بقضاء القاضي؛ فإن المجتهد لا تجوز له مخالفته، بل يتعين عليه العمل به.

(٤) أي: لا عمل بالتقليد.

(٥) عبارة شرح الغاية: «فيسأله». وهي الأولى.