[هل يجوز للمجتهد تقليد مجتهد آخر]
  على الأصل لا يجوز، كما لا يجوز التيمم إلا عند تعذر الوضوء.
  ولقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ}[النساء ١٠٥]، وقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}[الحشر ٢]، فإنه يعم الاجتهاد؛ وترك العمل(١) به في العامي أوجبه العجز.
  وللقياس على(٢) التقليد في الأصول بجامع القدرة على الاحتراز عن الضرر المحتمل. ولا يفرق بأن المطلوب هو الظن وهو يحصل بالتقليد؛ لأن المطلوب الظن الأقوى وهو متمكن منه. ولا ينقض بقضاء(٣) القاضي حيث لا يجوز خلافه؛ لأن ذلك عمل بالدليل الدال على أنه لا ينقض، لا بالتقليد(٤).
  (ولو) كان هو في نفسه فاسقاً، ولو كان ذلك الغير حاكماً أو (أعلم منه).
  وقال الشيباني وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة: يجوز له تقليد من هو أعلم منه - لأرجحيته عليه - دون المساوي والأدنى.
  (ولو) كان أيضاً (صحابياً).
  وذهب مالكٌ والجبائي وأحد قولي الشافعي وأحمدُ: إلى جواز تقليد صحابي راجح في نظره على غيره من الصحابة المخالفين له، وإلَّا خُيِّر في تقليد أيهم شاء مع الاستواء فيه؛ محتجين بقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[النحل ٤٣]، ونحو قوله ÷: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم».
  أما الآية فلأنه قبل الاجتهاد لا يعلم، والآخر من أهل الذكر فيسألونه(٥) للعمل.
(١) قوله: «وترك العمل به» أي: بقوله تعالى: {فاعتبروا} في العامي ... إلخ، وهذا جواب سؤال.
(٢) قوله: «وللقياس على التقليد» عطف على قوله: «لأن الاجتهاد أصل» يعني ولقياس عدم جواز تقليد المجتهد في الفروع على عدم جواز تقليده في الأصول.
(٣) قوله: «ولا ينقض» أي: الدليل الدال على عدم جواز تقليد المجتهد لغيره بقضاء القاضي؛ فإن المجتهد لا تجوز له مخالفته، بل يتعين عليه العمل به.
(٤) أي: لا عمل بالتقليد.
(٥) عبارة شرح الغاية: «فيسأله». وهي الأولى.