[هل يجوز للمجتهد تقليد مجتهد آخر]
  وأما الخبر: فظاهره العموم، وخص منه من اجتهد بالإجماع، فيبقى ما عداه.
  قلنا: الخطاب في الآية للمقلِّدين، وأما الخبر ففيه ما تقدم في آخر باب الأدلة.
  (ولو) كان أيضاً (فيما يخصه) من الأحكام دون ما يفتي به.
  وهذا الخلاف إنما هو قبل اجتهاده في الحكم، فأما بعده فإذا أداه اجتهاده إلى حكم معين فإنه يجب عليه العمل به (ويحرم) عليه تقليد غيره (بعد أن اجتهد) كذلك (اتفاقاً) بين العلماء.
  (و) أما (إذا) لم يؤده اجتهاده إلى معين بأن (تعارضت عليه الأمارات رجع إلى الترجيح) بينها، فيعمل بما يظهر له ترجيحه بأيِّ وجوهه الآتية - إن شاء الله تعالى - إن تعذر الجمع بينها من كل وجه؛ بأن تقتضي إحدى الأمارتين خلاف ما تقتضيه الأخرى، لا إن أمكن ولو من وجه بأن تحتمل إحداهما تأويلاً يوافق الأخرى، وستأتي أمثلته إن شاء الله تعالى.
  (فإن لم) يمكن الجمع بينها ولم (يظهر له رجحان) لأيها ففيه نوع آخر من الخلاف؛ (فقيل) أي: قال أبو علي وأبو هاشم: (يخير) فيعمل بأيهما شاء. (وقيل) أي: قال أبو الحسين والحاكم والقاضي وابن سريج(١): (يقلد الأعلم) في جميع العلوم، أو في الفن الذي تلك الحادثة فيه.
  وفي بعض الشروح: أن القائل بذلك ابن أبان، وما لفظه: يعني إذا روى أحد المتعارضين أعلم ممن روى الآخر فإنه يعدل إلى رواية الأعلم؛ لأن رواية الأعلم من المرجحات؛ لأن العلوم على اختلافها تزكي الفطن العقلية، فأكثر الناس علماً أثبتهم عقلاً وأجودهم ضبطاً لما يروي، انتهى. ولا يخفاك ما فيه من الخروج عن المطلوب.
(١) هو: أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي القاضي من أئمة الشافعية بالعراق له مصنفات كثيرة توفي سنة ثلاث وثلاثمائة. سير أعلام النبلاء.