شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[خاتمة في الحدود]

صفحة 276 - الجزء 2

  (أو بعضهم) ولو عالماً واحداً، نحو: أن ينقل عن أيِّ هؤلاء أنه يقول في الخمر: «هو ما أسكر»، وعن غيرهم: «هي التي من العنب إذا أسكر»، فإنه يرجح ما عمل به أيُّ هؤلاء على ما لم يعملوا به؛ إذ هو أقرب إلى الانقياد وأغلب على الظن.

  (وتقرير حكم الحظر أو حكم النفي) فإذا كان أحد الحدين مقرراً لأحد الأمرين والآخر بخلافه قدم المقرر؛ أما الحظر فلأنه أحوط، وأما النفي فلأنه الأصل.

  مثاله: قول الشافعي: «الحدث انتقاض الطهارة الشرعية بخروج شيء من السبيلين أو بسبب⁣(⁣١) خروجه كالنوم مضطجعاً»، مع قول الحنفي: «هو انتقاض الطهارة الشرعية بخروج ما يخرج من باطن الآدمي أو بسببه الأكثري كالنوم أو القهقهة في الصلاة»؛ فالأول أرجح؛ لتقريره حكم النفي الأصلي في الرعاف والقيء والقهقهة وغيرها. وقد دخل فيه قوله: (وبدرء الحد) فإذا كان أحد الحدين يلزم من العمل به درء الحد ومن العمل بالآخر إثباته فيرجح [الدارئ].

  مثاله في الزنا الموجب للحد: «إتيان المرأة في قبلها من غير ملك النكاح ولا شبهة»، مع قول الآخر: «إيلاج فرج في فرج محرم شرعاً مشتهى طبعاً»؛ فالأول يقتضي أن إتيان المرأة في دبرها أو إتيان غيرها لا يسمى زناً، بخلاف الثاني، فيرجح الأول؛ لدرئه الحد في إتيان المرأة في دبرها وإتيان غيرها؛ لأنه موافق للنقل السمعي: وهو قوله ÷: «ادرءوا الحدود بالشبهات»، فقد دخل فيما وافق السمعي أيضاً.

  (إلى غيرها) من وجوه الترجيح في الحدود الشرعية نحو: موافقة المعصوم أو الأعلم؛ لأنه أغلب على الظن، (مما لا يعزب على من له طبع سليم) قال في مطارح الأفكار: الطبيعة: هي القوة التي يحصل منها الأفاعيل الجزئية للنفس.


(١) قوله: «أو بسبب» عطف على قوله: «بخروج»، أي: أو بسبب الخروج لشيء من السبيلين وهو النوم.