شفاء غليل السائل عما تحمله الكافل،

علي بن صلاح الطبري (المتوفى: 1071 هـ)

[الأدلة الشرعية]

صفحة 95 - الجزء 1

  وقال الدواري: الأصح أنه لا يشترط التكرار لعموم البلوى، بل يَكْفِي في عموم البلوى شمولُ تكليف ذلك لجميع المكلفين أو لأكثرهم، فإنا لو تُعُبِّدنا بحج بيت آخر في أعمارنا كان تكليف ذلك مما تعم به البلوى، مع أن ذلك لا يلزم في العمر إلا مرة ففيه (خلاف) بين العلماء، والصحيح ما عليه الأكثر من وجوب العمل به؛ لعمومِ الدليل الدال على وجوب العمل بأخبار الآحاد، وقبولِ الأمة له في تفاصيل الصلاة وغيرها من سائر التكاليف.

  وقال أبو الحسن الكرخي⁣(⁣١) وأبو عبدالله البصري⁣(⁣٢): لا يجب العمل به؛ ذهاباً منهما إلى أن العادة في مثله تقضي بالتواتر؛ لتوفر الدواعي على نقله، ولما لم يتواتر علم كذبه.

  والجواب: أنا لا نسلم قضاء العادة بتواتره؛ لما علم من عمل الأمة بها⁣(⁣٣) في جميع الأحكام الشرعية.

  قالوا: لو صح العمل بها لوجب عليه⁣(⁣٤) أن يلقيها⁣(⁣٥) إلى عدد التواتر؛ لئلا يؤدي إلى بطلان صلاة أكثر الناس.

  قلنا: لا نسلم الوجوب، وإبطال الصلاة يكون فيمن بلغه⁣(⁣٦) خاصة. وأما وجوب التبليغ المستفاد من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}⁣[المائدة ٦٧]، فليس المراد أن يبلغ كل حكم إلى كل أحد، بل عدم الإخفاء؛ ولذا قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٤٣}⁣[النحل].


(١) هو أبو الحسن عبد الله بن الحسين بن دلال الكرخي، أصولي مشهور، ولد بكرخ وتوفي سنة ٣٤٠ هـ.

(٢) هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن إبراهيم الحنفي البصري، فقيه أصولي، ولد بالبصرة، وسكن بغداد، وهو من مشاهير المعتزلة، توفي سنة ٣٦٩ هـ.

(٣) أي: بأخبار الآحاد.

(٤) أي: الشارع.

(٥) أي: النبيء ÷.

(٦) والتبليغ قد حصل بخبر الواحد.